الدكرورى يكتب عن نبي الله أيوب عليه السلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله أيوب عليه السلام، وما أصاب نبى الله أيوب من الضر لم يكن بالصفة المنفرة التي يصوره بها القصاص والأخباريون الذين نقلوا ذلك من الإسرائيليات وأهل الكتاب الذين حرفوا كتبهم المنزلة، وتفاقمت الحالة بالسيدة رحمة وانتشرت شائعة عدوى مرض زوجها وخشيت البيوت على نفسها من المرض فرفضت أن تستخدمها وأغلقت الأبواب أمامها وكانت ضفائر السيدة رحمة ذات صيت كبير في بيت الأغنياء ومعروفة لديهم بأنها الجميلة ذات الشعر الطويل فلما ضاقت الأحوال في وجهها لم تجد سبيلا إلى أن تبيع إحدى ضفائرها لسيدة من السيدات الأغنياء التي طالما ألحت عليها في ذلك، وقبضت زوجة أيوب ثمن بيع إحدى ضفائرها وجاءت بطعام طيب كثير إلى زوجها فتعجب أيوب من ذلك وسألها من أين لك بهذا الطعام الغالي الثمن؟
فلم تخبره ولكنها طلبت منه أن يدعو ربه فأجابها أيوب بأنه يستحي من الله سبحانه وتعالى الذي أحياه ثمانين عاما بلا داء ولا مرض فقال لها الحمد لله الذي جعل لي لسانا ذاكرا وقلبا خاشعا وجاء اليوم التالي ففعلت مثلما فعلت اليوم الذي قبله فباعت ضفيرتها الثانية، باعت شعرها وتاج جمالها من أجل أن تطعم الزوج والحبيب، يا لها من لحظات عصيبة مرت بتلك السيدة العظيمة التي لم يستطع اليأس أن يتسرب إلى نفسها ولا القنوط أن يدق بابها بل ظلت مؤمنة صابرة محتسبة وقدمت كل ما تملك حتى ضفائرها، ولم تعرف السيدة رحمة ما سوف تفعله غدا أو كيف سيؤول الحال بها فلا عمل يطلبها ولا شعر لديها تبيعه ويا عجب ما شعرت به أنها شعرت براحة غريبة ورضا عن نفسها وما صنعته من أجل زوجها ولعل غدا يأتيها الله بالفرج القريب.
وعندما أتت السيدة رحمة إلى زوجها بطعام طيب كاليوم السابق أعاد نبي الله سؤاله عليها مرة أخرى مستفسرا عن مصدر المال واستنكر الطعام وحلف ألا يأكله حتى تخبره من أين لها بهذا الطعام فأبت السيدة رحمة أن تتكلم ولكنها كشفت عن غطاء رأسها فنظر نبى الله أيوب إلى رأسها ويا هول ما رأى، رأى شعر زوجته وزينة رأسها وقد حلق واختفى فتأثر نبى الله أيوب أيما تأثر وهنا، هنا فقط دعا نبى الله أيوب ربه، وإن هذا الموقف يدل على حب نبي الله أيوب لزوجته فهو لم يدع لنفسه ولكن دعا عندما رأى أن مرضه قد أثر عليها إلى هذا الحد، ولم يزد هذا كله أيوب عليه السلام إلا صبرا واحتسابا، وحمدا وشكرا، حتى إن المثل ليضرب بصبره عليه السلام، ويضرب المثل أيضا بما حصل له من أنواع البلايا، وقد مكث في بلواه ثماني عشرة سنة.
وقال السدي، أنه عليه السلام تساقط لحمه حتى لم يبق إلا العظم والعصب، فكانت امرأته تأتيه بالرماد تفرشه تحته، فلما طال عليها قالت يا أيوب، لو دعوت ربك لفرج عنك، فقال قد عشت سبعين سنة صحيحا، فهل قليل لله أن أصبر له سبعين سنة؟ فجزعت من هذا الكلام، وكانت تخدم الناس بالأجر وتطعم أيوب عليه السلام، ثم إن الناس لم يكونوا يستخدمونها لعلمهم أنها امرأة أيوب، خوفا أن ينالهم من بلائه أو تعديهم بمخالطته، فلما لم تجد أحدا يستخدمها عمدت فباعت لبعض بنات الأشراف إحدى ضفيرتيها بطعام طيب كثير فأتت به أيوب فقال من أين لك هذا؟ وأنكره، فقالت خدمت به أناسا، فلما كان الغد لم تجد أحدا فباعت الضفيرة الأخرى بطعام فأتته به، فأنكره وحلف لا يأكله، حتى تخبره من أين لها هذا الطعام؟
فكشفت خمارها عن رأسها، فلما رأى رأسها محلوقا هنا دعى الله عز وجل، وقد ذكر ابن جرير وغيره من علماء التاريخ أن أيوب عليه السلام، لما توفي كان عمره ثلاثا وتسعين سنة، وقيل إنه عاش أكثر من ذلك، وقال ابن إسحاق كان رجلا من الروم وهو أيوب بن موص بن زارح بن العيص بن إسحاق بن إبراهيم الخليل، وقال غيره، هو أيوب بن موص بن رعويل بن العيص بن إسحاق بن يعقوب وقيل غير ذلك في نسبه، وحكى ابن عساكر أن أمه بنت نبى الله لوط عليه السلام، وقيل كان أبوه ممن آمن بنبى الله إبراهيم عليه السلام يوم ألقي في النار فلم تحرقه، والمشهور الأول، لأنه من ذرية إبراهيم عليه السلام، وهو من الأنبياء المنصوص على الإيحاء إليهم في سورة النساء، والصحيح أنه من سلالة العيص بن إسحاق، وامرأته قيل اسمها ليا بنت يعقوب.