الدكرورى يكتب عن الرميصاء أم سليم بنت ملحان ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثالث مع الرميصاء أم سليم بنت ملحان، ولها قصص مشهورة، منها ما أخرجه ابن سعد بسند صحيح أن أم سليم رضي الله عنها، اتخذت خنجرا يوم حنين، فقال أبو طلحة يا رسول الله، هذه أم سليم معها خنجر، فقال لها رسول الله صلى الله عليه وسلم ” ما هذا الخنجر؟ قالت “اتخذته إن دنا مني أحد من المشركين بقرت به بطنه” وأم سليم تشارك في غزوة حنين قبل أن تلد ولدها عبد الله فكانت تسقي الجيش وترعى شؤونه وثبتت مع زوجها في من ثبتوا، يدافعون عن النبي صلى الله عليه وسلم، حين تفرق عنه كثير من المسلمين، كانت أم سليم تسمع النبي صلى الله عليه وسلم وهو يصيح بالناس ” أيا أيها الناس هلموا إليّ، أنا الرسول، أنا رسول الله، أنا محمد بن عبد الله، أنا النبي لا كذب أنا بن عبد المطلب ” رأت زوجها أبو طلحة.
وهو يقاتل باستبسال نادر ويزأر بالأعداء زئير الأسد حتى قال عنه النبي صلى الله عليه وسلم ” لصوت أبي طلحة في الجيش خير من ألف رجل ” وعندما احتدم القتال وفر الناس تركت أم سليم سقاية الجيش وتمريض الجرحى وأمسكت الخنجر التي كانت تخبئه في نطاقها وبدأت تقاتل مع النبي صلى الله عليه وسلم، لم تخاف ولم يمنعها حملها الناضج من أن تقاتل لنصرة دين الله، وكانت حاملة آنذاك بابنها عبد الله، عندما التفت النبي صلى الله عليه وسلم، ورآها في ميدان المعركة قال أم سليم، قالت نعم بأبي أنت وأمي يا رسول الله، روى الإمام مسلم في صحيحة أن أبا طلحة قال للنبي صلى الله عليه وسلم قبل أن يشتد وطيس المعركة يا رسول الله إن أم سليم اتخذت خنجرا، لربما أراد أبو طلحة أن يفتخر أمام رسول الله بما تفعل زوجته.
ضحك النبي صلى الله عليه وسلم لما قالت أم سليم يا رسول الله هذا خنجر أخذته إن دنى مني أحد من المشركين بقرت به بطنه، وحقا قد استخدمت أم سليم خنجرها حين احتاج الأمر إلى مشاركتها في القتال، وانتصر المسلمون في غزوة حنين، وأخذ النبي صلى الله عليه وسلم حصيات من الأرض ورماها في وجوه الكفار وهو يقول ” انهزموا ورب الكعبة، انهزموا ورب الكعبة ” وقذف الله في قلوبهم الرعب، فانهزموا، وعندما وضعت أم سليم وليدها بعد الغزوة تذكرت قول النبي صلى الله عليه وسلم، بارك الله لكما في ليلتكما إذا ولدت ائتوني بالغلام، فأرسلت المولود إليه، فحمله رسول الله صلى الله عليه وسلم وسماه عبد الله ثم أخذ تمرة فأكلها ودهن بها فم الصغير فجعل الصغير يتلمضها، فاتبسم صلى الله عليه وسلم وهو يقول ” أبت الأنصار إلا حب التمر ”
وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم أيضا هو حب النبي واقتفاء أثره في كل شيء، فعن أنس بن مالك رضى الله عنه، قال أن النبي صلى الله عليه وسلم، دخل على أم سليم رضي الله عنها، بيتها، وفي البيت قربة معلقة فيها ماء، فتناولها فشرب من فِيها وهو قائم، فأخذتها أم سليم رضي الله عنها، فقطعت فمها فأمسكته، وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم أيضا هو العلم والفقه، ففي صحيح البخاري عن عكرمة أن أهل المدينة سألوا ابن عباس رضى الله عنهما، عن امرأة طافت ثم حاضت، قال لهم تنفر، قالوا لا نأخذ بقولك، وندع قول زيد، قال إذا قدمتم المدينة فسلوا، فقدموا المدينة فكان فيمن سألوا أم سليم رضي الله عنها، فذكرت حديث صفية رضي الله عنها، ومن مناقبها وفضائلها أنه عن النبي صلى الله عليه وسلم قال
” دخلت الجنة فسمعت فيها خشفة أي صوت وحركة فإذا هي بالرميصاء ” وهى امرأة أبي طلحة، ومما يدل على وفاء أم سليم بالعهد، ما روته أم عطية رضي الله عنها، قالت أخذ علينا النبي صلى الله عليه وسلم، عند البيعة أن لا ننوح، فما وفت منا غير خمس نسوة أم سليم، وأم العلاء، وابنة أبي سبرة، وامرأة معاذ، وامرأة أخرى، ويروى أن أبا طلحة أخبر أم سليم يوما أنه سمع صوت النبي صلى الله عليه وسلم ضغيف يعرف فيه الجوع وطلب منها أن تعد الطعام، وذهب ليدعو رسول الله إليه، قَبل النبي الدعوة، ودعا من كان في حضرته من أصحابه، ارتبك أبو طلحة فهو يعلم أن الطعام الذي أعدته ما يكفي الأعداد التي سيصحبها النبي صلى الله عليه وسلم فأسرع إلى بيته وأعلم زوجته بما جرى وقد غلبه الغم والهم، ابتسمت أم سليم، وقالت لا عليك يا أبا طلحة، الله ورسوله أعلم،
وصدق حدثها، فالنبي يعلم أن أبا طلحة يدعوه وحده إلى الغداء ولكنه لم يشأ أن يأكل وحده، وهذا ما كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلمه لصحابته قائل “طعام الإثنين يكفي الثلاثة، وطعام الثلاثة يكفي الأربعة ” وصل المدعوون إلى بيت أم سليم وإلى بيت أبي طلحة، فأمر النبي صلى الله عليه وسلم أم سليم أن تفت الخبز ثم تضع فوقه السمن، وتناول الجميع الطعام، بسم الله تعالى فشبعوا جميعا ولم ينفد الطعام، وقد عاش أبو طلحة مسرورا مع أم سليم خاصة أنها كانت سند يعنه على طاعة الله، لا ينسى أبو طلحة موقفها حين تصدق بأرض بيرحاء حين سمع قول الله تعالى ” لن تنالوا البر حتي تنفقوا مما تحبون” فقال للنبي الكريم صلى الله عليه وسلم، يا رسول الله إن أحب مالي إليّ أرض بيرحاء، وإنها صدقة أرجو بها وزخرها عند الله، فضعها حيث أراك الله.
فتبسم النبي صلى الله عليه وسلم وقال ” بخ بخ ذاك مال رابح” ثم أردف قائلا ” أرى يا أبا طلحة أن تجعلها في الأقربين ” فقسم أبو طلحة الأرض بين الفقراء من أقاربه، وعلى مرأى من زوجته أم سليم وتشجيعها، وقد صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين قال ” الدنيا متاع وخير متاعها المرأة الصالحة ” ولم تقل له يوما ما تقوله بعض النساء لأزواجهن، بعض النساء اليوم تبخله وتقطع خيره ومعروفه عن من حوله، بل كانت مسرورة بالثواب الذي يدخره عنه الله تعالى يوم الحساب،وقد توفيت في حدود الأربعين في خلافة معاوية رضي الله عنه، فرضي الله عن أم سليم وأرضاها.