أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الرميصاء أم سليم بنت ملحان

الدكرورى يكتب عن الرميصاء أم سليم بنت ملحان ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع الرميصاء أم سليم بنت ملحان، وقد فرغت أم سليم نفسها لتربية هذين الولدين على الإيمان بالله وعلى مراقبته وكانت تلقنهما مبادئ الإسلام وتزرع فيهما قيمه السامية، وعندما هاجر النبي صلى الله عليه وسلم إلى المدينة طار قلبها فرحا لقدومه وكانت مع الأنصار الذين استقبلوه مهللين مكبرين، وأما زواجها في الإسلام فذاك هو العجب بعينه، ولم يتكرر في التاريخ مثله، فبعد موت مالك بفترة صغيرة، تقدم لخطبة أم سليم زيد بن سهل المعروف بأبي طلحة، كما أن زيد ذا حسب ونسب، ومال وجاه، ولكن أم سليم ردته ولم تقبل به زوج، هذا عجيب لماذا ردته وهو يملك كل هذه المواصفات التي ترغب بها النساء؟وهو ببساطة لأنه كان مشرك فكيف ترضى به وهي التي فارقت زوجها مالك بسبب كفره، فاعتذرت منه قائلة.

“يا أبا طلحة ما مثلك يرد ولكنك امرئ كافر وأنا امرأة مسلمة” وعندما سمع أبو طلحة كلامها فهز رأسه وهم بالخروج من دارها، ولكن فكرة ما في عقل أم سليم جعلتها تتابع الحديث، قائلة “يا أبا طلحة، ألست تعلم أن إلهك الذي تعبد إنما هو شجرة تنبت من الأرض نجرها حبشي من أحباش بني النجار؟” أجاب أبو طلحة “بلى يا أم سليم” فاستطردت قائلة ” فكيف تسجد لخشبة تنبت من الأرض لو أشعلت فيها النار لحترقت كيف تعبدها من دون الله؟” لم يجب أبو طلحة بشيء، وعاد أبو طلحة إلى منزله وقد وقع كلام أم سليم في قلبه وظل يفكر في الأوثان التي يعبدها كما عبده أبائه وأجداده، بعد وقت وتفكير طويل استسلم للحقيقة فهذه الأصنام التي يعبدها لا تجلب له نفع ولا تدفع عنه ضرر فكيف يسجد لها من دون الله، عاود أبو طلحة خطبة أم سليم.

واستشفت تلك السيدة اللماحة ما يعتلج في صدره، فقالت له “يا أبا طلحة هل تشهد أن لا إله إلا الله وأن محمد رسول الله وأزوجك نفسي؟ لا أريد منك صفراء ولا بيضاء فيكون إسلامك مهري” وهو عمل الصدق الذي حمله أم سليم في نفس أبو طلحة عمله، فأسلم أبو طلحة وتزوجها على مهر لم تمهره امرأة، فعن أنس بن مالك قال خطب أبو طلحة أم سليم رضي الله عنها، قبل أن يسلم فقالت أما إني فيك لراغبة، وما مثلك يرد، ولكنك رجل كافر، وأنا امرأة مسلمة، فإن تسلم فذاك مهري، لا أسأل غيره، فأسلم وتزوجها أبو طلحة، فكانت بذلك أول امرأة جعلت مهرها إسلام زوجها، فصارت سببا في دخول أبي طلحة في الإسلام، فحازت بذلك على الفضيلة التي وعد بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، بقوله ” فوالله لأن يهدي الله بك رجلا واحدا خير لك من أن يكون لك حُمر النعم ”

وعندما وصل النبي صلى الله عليه وسلم المدينة والمهاجرين معه، قام الأنصار بتقديم كل ما يمكن أن يقدموه من المال والحماية والمعونة، وقد تمنت أم سليم لو أنها تملك المال إذن لوضعته بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم لينفقه في سبيل الله، ولكن ماذا تفعل وهي لا تملك إلا ما يسد رمقها ورمق أطفالها، ومضت في ذهنها فكرة رائعة لا يعدم الإنسان الصادق وسيلة يحقق بها أهدافه ويبرهن على جدية دعواها وصدقها، فقد أخذت ابنها أنس بن مالك إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم وكان عمره ثمان سنوات وقيل عشر سنوات سلمت عليه وقالت له هذا ابني أنس يا رسول الله يخدمك ويقوم على حوائجك، وقد جاءت أم سليم بأعز ما تملك، وهو ابنها وفلذة كبدها ووضعته في خدمة النبي صلى الله عليه وسلم، فقد كانت أم سليم ترجو بذلك إرضاء ربها ورسوله.

وتأمل أن يتعلم ابنها العلم من النبي مباشرة، لا شك أن أم سليم تعرف كيف وعلى ماذا ربته وكان أنس عند حسن ظنها، كلنا يعرف من هو أنس بن مالك خادم النبي، يا له من شرف عظيم، فقد أحبه النبي صلى الله عليه وسلم وقربه ودعا له بقوله ” اللهم أكثر له ماله وولده وأطل عمره واغفر ذنبه ” وقد استجاب الله دعاء نبيه فكان أنس آخر من مات من الصحابة بالبصرة، وقد قارب المائة من عمره، وأكثر الله ماله وأولاده، وكان أنس يقول “وإني والله لأرجو الرابعة أي أرجو مغفرة الله تعالى” وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم هو العقل والحكمة، فقد كانت رضي الله عنها من عقلاء النساء، وموقفها مع زوجها أبي طلحة يوم وفاة ولدها يدل على عقل راجح، وحكمة بالغة، وصبر جميل.

فعن أنس بن مالك رضي الله عنه أن أبا طلحة رضي الله عنه مات له ابن، فقالت أم سليم رضي الله عنها، لا تخبروا أبا طلحة حتى أكون أنا أخبره، فسجَّت عليه ثوبا، فلما جاء أبو طلحة رضي الله عنه وضعت بين يديه طعاما فأكل، ثم تطيّبت له فأصاب منها فتلقت بغلام، فقالت له يا أبا طلحة، إن آل فلان استعاروا من آل فلان عارية، أى تقصد أمانه، فبعثوا إليهم أن ابعثوا إلينا بعاريتنا، فأبوا أن يردوها، فقال أبو طلحة ليس لهم ذلك، إن العارية مؤداة إلى أهلها، قالت فإن ابنك كان عارية من الله، وإن الله قد قبضه، فاسترجع أبو طلحه وقال إنا لله وإنا إليه راجعون، فقال أنس، فأخبر النبي صلى الله عليه وسلم، فقال “بارك الله لهما في ليلتهما ” وكانت أهم ملامح شخصية السيده أم سليم أيضا هو الشجاعة والإقدام، فكانت تغزو مع رسول الله صلى الله عليه وسلم.