أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

ماشطة بنت فرعون

الدكرورى يكتب عن ماشطة بنت فرعون ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

ونكمل الجزء الثاني مع ماشطة بنت فرعون، فلما جذبه الجنود، بكى وانطرح على قدمي أمه، ودموعه تجري على رجليها، وهي تحاول أن تحمله مع أخيه، تحاول أن تودعه وتقبله وتشمه قبل أن يفارقها، فحالوا بينه وبينها، وحملوه من يديه الصغيرتين، وهو يبكي ويستغيث، ويتوسل بكلمات غير مفهومة، وهم لا يرحمونه، وما هي إلا لحظات حتى غرق في الزيت المغلي، وغاب الجسد، وانقطع الصوت، وشمت الأم رائحة اللحم، وعلت عظامه الصغيرة بيضاء فوق الزيت يفور بها، تنظر الأم إلى عظامه، وقد رحل عنها إلى دار أخرى، وهي تبكي، وتتقطع لفراقه، طالما ضمته إلى صدرها، وأرضعته من ثديها، طالما سهرت لسهره، وبكت لبكائه، كم ليلة بات في حجرها، ولعب بشعرها، كم قربت منه ألعابه، وألبسته ثيابه.

فجاهدت نفسها أن تتجلد وتتماسك، فالتفتوا إليها، وتدافعوا عليها، الطفل الرضيع، وانتزعوا الخامس الرضيع من بين يديها، وكان قد التقم ثديها، فلما انتزع منها، صرخ الصغير، وبكت المسكينة، فلما رأى الله تعالى ذلها وانكسارها وفجيعتها بولدها، أنطق الصبي في مهده وقال لها يا أماه اصبري فإنك على الحق، ثم انقطع صوته عنها، وغيّب في القدر مع إخوته، ألقي في الزيت، وفي فمه بقايا من حليبها، وفي يده شعرة من شعرها، وعلى أثوابه بقية من دمعها، وذهب الأولاد الخمسة، وهاهي عظامهم يلوح بها القدر، ولحمهم يفور به الزيت، تنظر المسكينة، إلى هذه العظام الصغيرة، عظام من؟ إنهم أولادها، الذين طالما ملئوا عليها البيت ضحكا وسرورا، إنهم فلذات كبدها، وعصارة قلبها، الذين لما فارقوها، كأن قلبها أخرج من صدرها.

طالما ركضوا إليها، وارتموا بين يديها، وضمتهم إلى صدرها، وألبستهم ثيابهم بيدها، ومسحت دموعهم بأصابعها، ثم هاهم ينتزعون من بين يديها، ويقتلون أمام ناظريها، وتركوها وحيدة وتولوا عنها، وعن قريب ستكون معهم، كانت تستطيع أن تحول بينهم وبين هذا العذاب، بكلمة كفر تسمعها لفرعون، لكنها علمت أن ما عند الله خير وأبقى، ثم لما لم يبق إلا هي، أقبلوا إليها كالكلاب الضارية ودفعوها إلى القدر فلما حملوها ليقذفوها في الزيت نظرت إلى عظام أولادها فتذكرت اجتماعها معهم في الحياة فالتفتت إلى فرعون وقالت لي إليك حاجة، فصاح بها وقال ما حاجتك ؟ فقالت أن تجمع عظامي وعظام أولادي فتدفنها في قبر واحد، ثم أغمضت عينيها وألقيت في القدر، واحترق جسدها، وطفت عظامها، فما أعظم ثباتها وأكثر ثوابها.

ولقد رأى النبي صلى الله عليه وسلم ليلة الإسراء شيئا من نعيمها، فحدّث به أصحابه وقال لهم ” لما أسري بي مرت بي رائحة طيبة، قلت ما هذه الرائحة؟ فقيل لي هذه ماشطة بنت فرعون وأولادها ” رواه البيهقى، ومضت هذه المرأة المؤمنة إلى خالقها وجاورت ربها ويرجى أن تكون اليوم في جنات ونهر ومقعد صدق عند مليك مقتدر وهي اليوم أحسن منها في الدنيا حالا وأكثر نعيما وجمالا وأن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” لو أن امرأة من أهل الجنة اطلعت إلى أهل الأرض لأضاءت ما بينهما ولملأته ريحا، ولنصيفها على رأسها خير من الدنيا وما فيها ” وروى البخارى، وأنه صلى الله عليه وسلم قال ” من دخل الجنة ينعم لا يبؤس، لا تبلى ثيابه، ولا يفنى شبابه، وله في الجنة ما لا عين رأت، ولا أذن سمعت، ولا خطر على قلب بشر، ومن دخل إلى الجنة نسي عذاب الدنيا ” رواه مسلم.

وقال النبي صلى الله عليه وسلم ” لما كانت الليلة التي أسرى بي فيها أتت رائحة طيبة فقلت ياجبريل ما هذه الرائحة الطيبة ؟ قال هذه رائحة ماشطة بنت فرعون وأولادها قال الرسول قلت وما شأنها ؟ قال كانت امرأة تمشط بنت فرعون وذات يوم سقطت المدري من يديها فقالت بسم الله فقالت لها ابنة فرعون، الله أبي؟ قالت لا ولكن ربي ورب أبيك الله قالت البنت أخبره بذلك قالت المرأة نعم فأخبرته فدعاها فقال لها يافلانة وإن لك رب غيري؟ قالت نعم ربي وربك الله فأمر ببقرة من نحاس والتبقر من التوسع ثم أمر أن تلقى هي وأولادها فيها فقالت له إن لي إليك حاجة قال وماحاجتك ؟ قالت أحب أن تجمع عظامي وعظام ولدي في ثوب واحد وتدفن قال لك علينا من الحق فأمر بأولادها فألقوا بين يديها واحدا فواحدا إلى أن انتهى ذلك إلى صبي لها رضيع وكأنها تقاعست من أجله قال يا أمي اقتحمي فإن عذاب الدنيا أهون من عذاب الآخرة فاقتحمت “.