الدكرورى يكتب عن ماشطة بنت فرعون ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
خلال رحلة الإسراء و المعراج بالنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وجد رائحة طيبة كرائحة المسك وعندما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن ذلك، أجابه رفيق الرحلة جبرائيل عليه السلام أنها رائحة الوصيفة التي كانت تعمل في بيت فرعون، زمن نبي الله موسى عليه السلام، وهي امرأة كانت قد تركت دينها سرا لكن افتضح أمرها عندما سقط المشط من يدها وقالت ” بسم الله ” وعندما سمع فرعون بذلك أحرقها هي وأبناءها، وقد قيل إن رضيعها كلمها في تلك اللحظة وطلب منها أن تحتفظ بهدوئها والتمسك بإيمانها، وبسبب إيمانها العظيم، رفع الله مكانتها، وكان من بين من كتم إيمانه كان حزقيل بن صبورا وكان ذا قرابة لفرعون وعلى صلة دائمة به وظل خافيا إيمانه إلى أن كشف فرعون أمره وقتله، وكان لحزقيل زوجة صالحة.
آمنت هي الأخرى بالله وبنبيه موسى عليه السلام، وأخفت ذلك الإيمان حتى لا تلقى مصير زوجها الصالح ويُيتم أبناءها وكانت تعمل في قصر فرعون ومعها أولادها وكان من بينهم رضيعا في مهده، ومات حزقيل وترك موته أثرا كبيرا على نفس زوجته، ولكنها تماسكت لأجل أولادها، وماشطه ابنة فرعون لم يحفظ التاريخ أسمها بل حفظ فعلها بأنها كانت تمشط شعر بنت فرعون فسقط المشط من يدها، فكانت امرأة صالحة كانت تعيش هي وزوجها في ظل ملك فرعون، وزوجها مقرب من فرعون، وهي خادمة ومربية لبنات فرعو، فمن الله عليهما بالإيمان، فلم يلبث زوجها أن علم فرعون بإيمانه فقتله، فلم تزل الزوجة تعمل في بيت فرعون تمشط بنات فرعون، وتنفق على أولادها الخمسة، تطعمهم كما تطعم الطير أفراخها.
فبينما هي تمشط ابنة فرعون ذات يوم، إذ وقع المشط من يدها، فقالت بسم الله ، فقالت ابنة فرعون الله ، أبي؟ فصاحت الماشطة بابنة فرعون كلا ، بل الله ربي وربك ورب أبيكي، فتعجبت البنت أن يُعبد غير أبيها ثم أخبرت أباها بذلك فعجب أن يوجد في قصره من يعبد غيره فدعا بها وقال لها من ربك ؟ قالت ربي وربك الله، فأمرها بالرجوع عن دينها وحبسها وضربها، فلم ترجع عن دينها، فأمر فرعون بقدر من نحاس فملئت بالزيت، ثم أحمي حتى غلا، وأوقفها أمام القدر، فلما رأت العذاب أيقنت أنما هي نفس واحدة تخرج وتلقى الله تعالى، فضربت ماشطة ابنة فرعون المثل في التضحية وتحمل العذاب، في سبيل الله وفي سبيل كلمة التوحيد، حتى ولو كان الثمن هو إلقاء أبنائها واحدا تلو الآخر في النار، أمام عينها، ثم إلقاءها هي نفسها كما حدث في النهاية.
في الوقت الذي لما أمر الله نبيه موسى عليه السلام بتبليغ رسالته لفرعون وقومه آمن من آمن وبغي وتكبر من بغى وكتم كثير من الناس إيمانهم خوفا من بطش فرعون وحاشيته، فعلم فرعون أن أحب الناس أولادها الخمسة الأيتام الذين تكدح لهم وتطعمهم، فأراد أن يزيد في عذابها فأحضر الأطفال الخمسة تدور أعينهم ولا يدرون إلى أين يساقون فلما رأوا أمهم تعلقوا بها يبكون فانكبت عليهم تقبلهم وتشمهم وتبكي وأخذت أصغرهم وضمته إلى صدرها، وألقمته ثديها، فلما رأى فرعون هذا المنظر أمر بأكبرهم فجره الجنود ودفعوه إلى الزيت المغلي والغلام يصيح بأمه ويستغيث ويسترحم الجنود ويتوسل إلى فرعون ويحاول الفكاك والهرب، وينادي إخوته الصغار، ويضرب الجنود بيديه الصغيرتين، وهم يصفعونه ويدفعونه، وأمه تنظر إليه، وتودّعه.
فما هي إلا لحظات حتى ألقي الصغير في الزيت، والأم تبكي وتنظر، وإخوته يغطون أعينهم بأيديهم الصغيرة، حتى إذا ذاب لحمه من على جسمه النحيل وطفحت عظامه بيضاء فوق الزيت، نظر إليها فرعون وأمرها بالكفر بالله، فأبت عليه ذلك، فغضب فرعون وأمر بولدها الثاني، فسحب من عند أمه وهو يبكي ويستغيث، فما هي إلا لحظات حتى ألقي في الزيت، وهي تنظر إليه، حتى طفحت عظامه بيضاء واختلطت بعظام أخيه، والأم ثابتة على دينها، موقنة بلقاء ربها، ثم أمر فرعون بالولد الثالث فسحب وقرب إلى القدر المغلي ثم حمل وغيب في الزيت، وفعل به ما فعل بأخويه، والأم ثابتة على دينها، فأمر فرعون أن يطرح الرابع في الزيت، فأقبل الجنود إليه، وكان صغيرا قد تعلق بثوب أمه، فلما جذبه الجنود، بكى وانطرح على قدمي أمه.