أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

أم عمارة نسيبة بنت كعب

الدكرورى يكتب عن أم عمارة نسيبة بنت كعب “جزء 3”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى

نكمل الجزء الثالث مع السيده أم عمارة نسيبة بنت كعب المجاهده الصابره المحتسبه، فبايعوا النبي صلى الله عليه وسلم، بيعة الرضوان على الموت ثأرا لعثمان، وكان فيهم أم عمارة، وهي البيعة التي نزل فيها الوحي بكلام من الله عز وجل، وهى بيعة الرضوان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم، عن من بايعه يومها ” لا يدخل النار أحد ممن بايع تحت الشجره ” وهو الحديث الذي رواه أحمد وأبو داود والترمذي وقال عنه أنه حديث حسن صحيح، وقد شهدت أم عمارة بعدئذ صلح الحديبية الذي عُقد بين المسلمين وأهل مكة بعد عودة عثمان بن عفان، وقال الذهبي أم عمارة الفاضلة المجاهدة، شهدت ليلة العقبة وشهدت أحدا والحديبية ويوم حنين، ويوم اليمامة، وجاهدت وفعلت الأفاعيل، وتحدثنا السيدة أم عمارة بنفسها عن صفة بيعتها.

فتقول “كانت الرجال تصفق على يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم، ليلة العقبة، والعباس بن عبد المطلب عمّ النبي صلى الله عليه وسلم، آخذ بيد رسول الله صلى الله عليه وسلم، فلما بقيت أنا وأم منيع وهى أسماء بنت عمرو بن عدي السلمية، نادى زوجي غزية بن عمرو، يا رسول الله هاتان امرأتان حضرتا معنا يبايعناك فقال صلى الله عليه وسلم “قد بايعتهما على ما بايعتكم عليه، إني لا أصافح النساء” رواه الإمام مالك، ثم حضرت مع النبي صلى الله عليه وسلم، عمرة القضاء في العام التالي، وبعد فتح مكة، بلغ النبي صلى الله عليه وسلم، أن هوازن قد جمعت لقتاله، فقرر الخروج لقتالهم بكامل الجيش الذي فتح مكة، وكان قوامه عشرة آلاف مقاتل، حيث تقابل الفريقان في حنين ووقع المسلمون في بداية المعركة في كمين نصبته هوازن.

ففر معظم جيش المسلمين، يومئذ، وقفت أم عمارة وفي يدها سيف تصيح في الأنصار أية عادة هذه؟ ما لكم وللفرار؟ ووقفت تقاتل، ثم عاد المسلمون للقتال لمّا رأوا ثبات النبي صلى الله عليه وسلم، في قلة معه، ولأم عمارة رضوان الله عليها بطولات نادرة ومواقف رائعة، فبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، ارتدت بعض القبائل عن الإسلام، فقرر خليفته أبو بكر الصديق قتالهم، ودارت في معظم أركان الجزيرة العربية معارك عُرفت بحروب الردة، التحقت أم عمارة ببعث خالد بن الوليد الذي خرج لقتال بني تميم ومن بعدهم بني حنيفة ومتنبئهم مسيلمة بن حبيب الذي كان قتل ابنها حبيب ومثل به، وقد شاركت أم عمارة ومعها ابنها عبد الله بن زيد، في قتال معركة اليمامة، وهى أعتى معارك حروب الردة وأبلت فيها بلاء حسنا، ونجح ابنها عبد الله في الثأر لأخيه.

وقتل بسيفه مسيلمة الكذاب، وقد أصيبت أم عمارة في تلك المعركة بأحد عشر جرحا، وقطعت يدها فبعث إليها خالد بن الوليد بطبيب كوى لها القطع بالزيت المغلي، وقد تميزت أم عمارة بالإخلاص لدينها، وشجاعتها في الذود عنه، وهو ما تجلى من قتالها في غزوتي أحد وحنين ومعركة اليمامة، كما عُرف عنها صبرها، فعندما جاءها الخبر بمقتل ابنها حبيب على يدي مسيلمة، قالت لمثل هذا أعددته وعند الله احتسبته، ومن حرصها على ابتغاء ثواب عبادتها، أتت أم عمارة الى النبي صلى الله عليه وسلم، يوما، فقالت ما أرى كل شيء إلا للرجال، وما أرى النساء يذكرن بشيء؟ فنزلت هذه الآية “إن المسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات والقانتين والقانتات والصادقين والصادقات والصابرين والصابرات والخاشعين والخاشعات والمتصدقين والمتصدقات والصائمين والصائمات والحافظين فروجهم والحافظات والذاكرين الله كثيرا والذاكرات أعد الله لهم مغفرة وأجرا عظيما” من سورة الأحزاب،

فهذه الصحابيه التى كانت إذا رأت الخطر يدنو من رسول الله صلى الله عليه وسلم، تسرع لإزالته وإبعاده عنه، حتى قال عنها صلى الله عليه وسلم “ما التفت يمينا ولا شمالا إلا وأنا أراها تقاتل دوني” وهذه الصحابيه التى كانت أثناء المعركة جُرح ابنها عبد الله جرحا بليغا، فربطت أم عمارة جراحه، ثم قالت له انهض بنيّ فضارب القوم، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من يطيق ما تطيقين يا أم عمارة؟” ثم أقبل الذي جرح ابنها، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “هذا ضارب ابنك” فاعترضته، وضربت على ساقه فوقع، ثم أجهزت أم عمارة ومن معها على الرجل المشرك، فقال النبي صلى الله عليه وسلم “الحمد لله الذي ظفرك وأقر عينك من عدوك”وظلت أم عمارة رضي الله عنها تحظى بالمكانة اللائقة في حياة الخلفاء الراشدين.

فكان أبو بكر رضي الله عنه، يأتيها ويسأل عنها، وكذلك عمر بن الخطاب رضي الله عنه، عرف مكانتها، وبعد أن عاشت حياة معطاءة حافلة بالتضحيات لتكون كلمة الله هي العليا وكلمة الذين كفروا هي السفلى، وكانت النهايه، لأم عمارة المبايعة بالعقبة، والمحاربة عن الرجال والشيبة، التى كانت ذات جدّ واجتهاد، وصوم ونسك واعتماد، وتوفيت أم عمارة بعد معركة اليمامة بعام متأثرة بجراحها في خلافة عمر بن الخطاب، ودفنت في البقيع، فرضى الله عنهم أجمعين.