أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

قصة وعبرة من واقع الحياه

قصة وعبرة من واقع الحياه

بعد عَقد قرانها مُباشرةً أصابها الألم والمرض، واصفرَّ وجهُها وَذَبُلت ، فذهبت إلى الطَبيبة لتطمئن فكانت المُفاجئة أَن قالت لَها ” أنَّ الرّحم يكاد يكون مشقوق نِصفين

– الوصف الذي قالتهُ لي – ، وَلن تستطيع الحَمل ”

خرجت مِن المُستشفى وكُل ما يجول في خاطرها تُرى كيف سأقول هذا لزوجي ، وهل سيترُكني !؟ أنا أُحبّه بشدَّة فماذا أفعل !

 

أمسكت بهاتِفها وحاولت الإتصال بهِ ، وبعد أكثر مِن مُحاولة أجابها وأخبرتهُ بكُل شيء ، فكان ردّه صادمًا بالنِّسبة لها ، قال لَها : وأنا لَن أستطيع أن أُكمل معكِ.

 

انعقد لسانها ، حتّى كلمات الغَزل التي اعتادت أن تقولها لَهُ في كُل مكالمة ؛ لَم تستطع البوح بِها فَصمتت ، وانتظرت مِنهُ أن يُخبرها أنّه يَمزح ، وأن يُخبرها بموعد الزفاف ، ويَطلُب مِنها أن تُرسل لهُ صورتها بالفستان ، ويُخبرها أيّهم أجملُ عليها ، لكنّها فوجئت بالطّلاق ، لم تَتحمّل الصمود كثيرًا ووقعت مغشيًا عليها.

 

عندما أفاقت وجدت نفسها في المَنزل ، وأُمّها تُربّت على يدها ، وَ تُقبّل رأسها ، أخذت الفتاة تبكي بشدّة وتقول :

تَركني يا أُمي وأنا في أمسّ الحاجة إليه.

 

– لا بأس يا حَبيبتي ، كُلما جاءت الخيباتُ باكراً كلما صار ترميمها أسهل، نظَر هو إلى أسباب الدُّنيا والطّب، ولم يَنظُر إلى قوّة الرّب.

 

– هَل كان عليَّ فعلُ شيءٍ يا أُمي ؟

 

– لا بُنيَّتي ، يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ الْأَمْرِ مِن شَيْءٍ؟

قُلْ إِنَّ الْأَمْرَ كُلَّهُ لِلَّهِ ، عليكِ فقط أن تعودي كَما كُنتِ.

 

– وَلكنّي أُحبّهُ.

 

– واللّٰه يَعلم مَن هو الأصلحُ بِحُبّك.

 

– والزفاف !

 

– اصبري واحتسبي، فَمَن للصبرِ غيرك ؟

 

مرّت الأيام والشهور ، وتحسَّنت صِحتها قليلًا ، ولكنَّ الحَمل كان مُستحيلًا – كما كانوا يَقولون -.

 

وبعد عام تَقدَّم لَها شاب ذو خُلقٍ ودين ، رفضتهُ خوفًا مِن أن يُترك قَلبها ثانيةً ، ولكّنهُ تقدّم مرة أُخرى فوافقت على الجلوس مَعهُ، حدّد والدها الموعد، وفي الرؤية الشرعية قالت لَهُ: لَن أستطيع الإنجاب.

 

قال لَها : ما ضيرُ لو أنَّنا توكّلنا على الله الذي يَمنح ويَمنع!

 

– لِمَ لا تتزوّج غيري وَتُنجب ؟

 

صَمتَ..

 

– كيف لعاقلٍ أن يَتزوّج مِن عاقر وهو يعلم أنها لَن تُنجب !

 

– تقصدين كيف لعاقل أن يأخُذ بأسباب البشر ويغضُّ الطرفَ عَن المُسبِّب ؟ إن كُنتِ تقصدين هذا فالذي أعطي زكريا سيُعطيني.

 

وافقت عليه، وتمَّت الخطبة والزفاف، وبعد أكثر مِن ثلاثة أعوام حَملت في الطفل الأول، شعُرت وكأنَّ الدُّنيا قد أشرقت بالربيعُ في عُمرها ، كانت تذهب لتُحضر مع زوجها ملابس للطفل وتقول لَهُ ” أيُّهم أجمل ؛ هذا أم ذاك ”

هل سيكون صبي أم فتاة.

يُشبِهُني أم يُشبِهُك ؟

 

وتأتي المُصيبة الأولى لَها ولم يَستمر الطفل في رَحمها أكثر مِن ستة أشهُر ثُم توفى، فقالت لَزوجها بعد أن أفاقت مِن المرض : ألم أقُل لَك ؟

 

ابتسم وقال – ألم يَقُل لكِ ” وَلَئِن صَبَرْتُمْ لَهُوَ خَيْرٌ لِّلصَّابِرِينَ”.

 

– هَل ستَترُكني ؟

 

– نَعم سأترُكك ، وَلكِن عند المَوت، وسأعود لألتقي بِكِ ثانيةً في الجنَّة.

 

مرَّ عام وحَملت مرَّة أُخرى ، كانت هذهِ المرَّة خائفة كثيرًا ، فقرَّرت عَدم تَرك الفراش، كانت تُصلي وتنام، وتولّى زوجها خدمتها في هذهِ الفترة ، فقد كان يذهب إلى العَمل ويأتي هو ليُعدّ الطعام، ويُنظّف المَنزل.

 

يرى في عينها مدى اشتياقها للطفلِ، وحُبّها الشديد لرؤيته، فيزداد تحمُّلًا لأجلها، وَيزداد قوّة بصبرها ، ولكِن ماشاء اللّٰه كان ، وتوفى الطفل في الرّحم مرّة أُخرى.

 

أُصيبت هذهِ المرّة بنوبة مِن الحُزن ، فبدأ زوجها يجلس معها ليُصبّرها ، مرًّة يقول لَها :

 

وَأَيُّوبَ إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ أَنِّي مَسَّنِيَ الضُّرُّ وَأَنتَ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ..

 

وَزَكَرِيَّا إِذْ نَادَىٰ رَبَّهُ رَبِّ لَا تَذَرْنِي فَرْدًا وَأَنتَ خَيْرُ الْوَارِثِينَ.

فَاسْتَجَبْنَا لَهُ..

 

ومرًّة يقول لَها : وَأَمَّا الْغُلَامُ فَكَانَ أَبَوَاهُ مُؤْمِنَيْنِ فَخَشِينَا أَن يُرْهِقَهُمَا طُغْيَانًا وَكُفْرًا ، فَأَرَدْنَا أَن يُبْدِلَهُمَا رَبُّهُمَا خَيْرًا مِّنْهُ زَكَاةً وَأَقْرَبَ رُحْمًا..

 

ثُم يتسلَّل في الَّليل ويبكي لله عزّ وجلّ ويطلب مِنهُ أن يُراضيها ، قلّ نومه بسبب كثرة قيام الليل لأجلها ، وضعف جَسدهِ مِن كثرة البُكاء وتضرُّعه، وذات يوم وبعد أن قامت مِن فراشها وتحسّنت صحتها ، رأت الضعف الذي حلّ بزوجها ، فقالت لَهُ بصوتٍ مُتحشرج :

 

ماذا أصابك ؟

 

– كُسر عُكّازي.

 

– أي عُكاز ؟

 

– أنتِ عُكّازي في الدُّنيا، وعندما أصابك الألم لَم أجد مَن أستندُ عليهِ فَكُسرتُ ، قُلتِ لي ذات يوم لِمَ لا تتزوّج غيري وَتُنجب ؟

أتتذكّرين هذا السؤال ؟

 

– نَعم.

 

– لأنَّني أردتُّك، جئتُ لَك أنتِ، لَم أتزوّجك لأجل الإنجاب، أنا تزوّجتك لتشُدِّ أزري، تزوّجتك لأنّي أُحبّك، لو جعلتي الله يَرى صَبرك فقط، لمنّ عليكِ.

 

– أنا أصبُر.

 

– وكيفَ للصبرِ أن يكونَ صبرًا وهو مُقترنٌّ بسوءِ ظنّ.

 

– وماذا أفعل !

 

– أُصبري بيقينٍ وبثقةٍ ودُعاء مُضطر، لَقد كان في قَصصهم عِبرة فلِمَ لا تَعتبري ؟ اللّٰه لَم يُخبركِ بكل تلك القصص إلا مِن أجل أن تَصبُري.

 

– ولكّن الحَلقُ قد جَف مِن الدُّعاء، ولا أدري ماذا أفعل.

 

– اللّٰه لا يُريد مِنكِ أي شيء تقومين بفعله، الله يُريد مِنكِ اليقين فقط ، فَإِذَا فَرَغْتِ فَانصَبِ ، وَإِلَى رَبِّك فَارْغَب كي يسوق إليك سحائب الخيرِ تصُّب عليكِ الغيثُ صبًا ، ولَن تكُن في قُرب رَبِّك شَقِيًّا أبدًا ، قولي اللّٰهم أجرني في مُصيبتي وأخلف لي خيرًا مِنها.

 

– هَل سيجبُرني ؟

 

– كان حقٌ عليه ذلك، فلا تيأسي مِن روح اللّٰه.

 

مَرّ عامين وَحملت بالطّفل الثالث، وَلكِن هذهِ المرّة شاء اللّٰه أن يَمحي أسباب الدُّنيا لأجل صَبرها، وَضعت طفلها الأول ، وخرجت الطبيبة مِن غُرفة العَمليات ، فأراد الزوج أن يطمئنّ على صِحة زوجته وطفله، فسأل الطَبيبة فكان جوابها :

 

لا أعلمُ كيف حدثَ ذلك، وكَيف حَملت واستمر حَملها، وَكيف أنجبت طفل بصحة جيدة، وَلَم تُنجب طفلٍ واحد ، بل أنجبت طفلين ، لا أدري كَيف حَملت ، تصدّع القَدر لأجلها ولأجل صَبرها ودُعائها.

 

– هل هي بخير ؟

 

– أتظنُّ أنَّ معيّة اللّٰه ستَهجُرها بَعد أن جَبر قَلبها ؟

زوجتك بخير.

 

وبعد أن أفاقت مِن البنج ، رأت أُمها فابتسمت وقالت لَها :

ألم أقُل لَكِ أن اللّٰه أعلم مَن هو الأصلحُ بِحُبّك !

وَعَسَىٰ أَن تَكْرَهُوا شَيْئًا وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ

وَعَسَىٰ أَن تُحِبُّوا شَيْئًا وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ

وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَنحنُ لَا نَعلم.

وها أنتِ أُم لإثنين ، فإِن يَعْلَمِ اللَّهُ فِي قُلُوبِكُمْ خَيْرًا يُؤْتِكُمْ خَيْرًا مِّمَّا أُخِذَ مِنكُمْ..

– القصة حقيقية