أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الإعلام سلاح الحرب والسلام

الإعلام سلاح الحرب والسلام
بقلم السفيرة الدكتورة/ ماجدة الدسوقي

تُعتبر وسائل الاعلام بجميع أشكالها خلال العقود الستة الماضية وسيلة كبرى لإرساء قواعد السلام أو أداة تحريض الناس أو الجماهير على العنف ، ولكن للأسف الشديد فإن تأثير هذه الوسائل يكون دائما لتصعيد التوتر والعنف والقتل أكثر من الإنشغال ببناء ركائز السلام والوئام والاتفاق ! يقول خبراء وسائل الاعلام أن الحكومات والشعوب يجب الاّ تستسلم لدور وسائل الاعلام في إذكاء الفتن وتكثيف التصعيد في أنحاء المعمورة بل لمنع الصراعات وبناء أسس السلام هنا وهناك .
خلال الأربعين عاما المنصرمة أصبح تأثير وسائل الإعلام على الحرب والسلام أضعافا مضاعفة وذلك مع تقدم التكنولوجيا فمثلا كانت البدايات بإستعمال التلغراف ثم الراديو ، والصحف والمجلات والتلفاز أما الان فمن الشبكة العنكبوتية INTERNET . يعتمد الكثير من البشر حاليا على المعلومات المستقاة من الشبكة العنكبوتية ليسيروا في الإتجاه الصحيح حتى في أنشطتهم اليومية مثل العمل والسفر وبرامج الترفيه والتعليم والرعاية الصحية والعلاقات الشخصية ، كل هذا مسيطر عليه مما يقرأون ويسمعون ويشاهدون !
من حوالي ثلاثين عاما ونيّف إزدادت وسائل الإعلام في قوة تأثيرها وذلك بواسطة تكنولوجيا الإتصالات الحديثة مثل الموبايل والفيديوهات وأجهزة الكمبيوتر المحمولة مما مكّن الصحفيون والمراسلون من جمع ونشر وتوزيع المعلومات بكل يسر وسهولة في جميع أنحاء العالم، فمثلا ساعدت رقمنة الأخبار في العالم على إختصار الزمان والمكان ، فنحن نرى صور المظاهرات وأعمال الشغب والانقلابات خلال دقائق من حصولها في الشوارع ! هذه الصور التي تُعرض عن حدث ما تجمع مستمعون ومشاهدون كثر في أنحاء العالم كما أنها تؤدي الى تغذية العنف والتحريض على المزيد من القتل والفتن في بلد ما مثل ما حصل في بوروندي والكونغو ورواندا في تسعينات القرن الماضي . فمثلا على مدى نحو مئة يوم فقط قُتل ما بين نصف مليون أو مليونين التوتسي والهوتو في رواندا ، وكان القتل يتم بأبشع الطرق !! إن وسائل الاعلام ما هي الا عبارة عن إتصال إلكتروني ومواقع تواصل تسمح للمستخدمين تتبع ومشاركة المضمون المنشور سواء كان نصا او صورا أو فيديوهات وحتى الافكار في المجتمع عبر الإنترنت.
أما الجانب المضيء لدور وسائل الاعلام في تغذية السلم والسلام فهو إستخدام نشطاء حقوق الإنسان هذه الوسائل لتنظيم إحتجاجات سلمية والدفاع عن الديموقراطية ، ونلاحظ في الآونة الأخيرة أن بناة السلام والسلم إكتشفوا أن وسائل الاعلام يجب أن تكون أداة لفهم ديناميكية الصراع هنا وهناك بالإضافة الى مواجهة التطرف . في عام ٢٠٢١ في منتدى استوكهولم الخاص بالسلام والتطور إكتشف الباحثون وصناع القرار وشركات التكنولوجيا ومنظمات المجتمع المدني الفرصة السانحة لتسخير وسائل الإعلام لبناء غايات وأهداف سلام ولكبح جماح حملات المعلومات المغرضة التي تتناولها بعض وسائل الاعلام المغرضة والتحذير المبكر ضدها ونشر الرسائل المعاكسة للدفاع عن حقوق الانسان والديموقراطية وهذا لصد العنف وشرح الحقائق ، ولهذا يبحث ويتقصى باحثو الصراعات العالمية النصوص الدعائية في وسائل الإعلام لكي يتعرفوا على الشبكات الداعمة للصراعات والعنف مثل بوكوحرام في نيجيريا التي إعتمدت على النصوص والرسائل الإعلامية منذ ٢٠٠٩ . يلعب بعض المغرضين في هذا القطاع الحيوي على تأجيج النزاعات المسلحة بواسطة الخبر المضلل والتحريض الخطابي لحروب دامية خاصة بعد حقبة الحرب الباردة في تسعينيات القرن الماضي . إعتمد هؤلاء على الوسائط الإعلامية مكتوبة ومسموعة ومرئية في التحريض على القتل والعدوان مثل حروب البلقان وبعض دول أفريقيا المذكورة سابقا ، وكان القتل والتحريض على إرتكاب الجرائم ضد الآخر. يتم من منطلقات عرقية او عقائدية .
الآن بإستطاعة الشباب من بُناة منصات السلام أن يوجهوا رسائل نصية ضد المتطرفين الذين يعبثون بالسلام العالمي ويثيرون النزاعات والقتل والعنف . أحيانا تستعمل بعض منصات الإعلام في كبح وإخماد التمرد الداخلي والتدخل في الإنتخابات والتحريض على العنف المسلح وتجنيد أشخاص لمنظمات إرهابية مثلما حدث في مينامار ولكن كل هذا يظهر فيه ولو بعد حين . إن الدور الحقيقي والمثالي للإعلام هو نشر وتوعية الشعوب والمجتمعات بأهمية التعايش السلمي وكيفية مد وتقوية جسور السلام والسلم والوئام في أرجاء المعمورة ، كما يجب توظيف وسائل الإعلام في صنع حياة جديدة تملأها المحبة والتاخي والسلام المجتمعي والفردي .