الدكرورى يكتب عن فضائل وبدع شهر رجب ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء العاشر مع فضائل وبدع شهر رجب، وقد أكدت الأخبار النبوية الشريفة أن القصد في السنة خير من الاجتهاد في بدعة، وأنه ما قامت بدعة إلا وأميتت سنة، فقد أخرج الإمام أحمد والبزار من حديث غضيف بن الحارث مرفوعا “ما أحدث قوم بدعة إلا رفع مثلها من السنة، فتمسك بسنة خير من إحداث بدعة” ومن هذه البدع بدعة الرجبية الذين يعظمون أياما أو ليالي من شهر رجب، ولاسيما ليلة السابع والعشرين منه إذ يزعمون أن ليلة الاسراء والمعراج وقعت فيه ولم يثبت ذلك بالنقل الصحيح، ومن هنا أيها الموحد تعلم أن عبادة الله أمر لايجوز إلا بما شرعه لك الله تعالى أو رسوله صلى الله عليه وسلم ومن أراد أن يتقرب إلى الله عز وجل وينال ثوابه وحبه ورضاه بغير ذلك فسوف يحصل له عكس مقصوده وخلاف مراده، فإن الله تعالى لا يرضى إلا بما شرعه من العبادات.
وإن في هذا الشهر شهر رجب الذي هو أحد الأشهر الحرم يحصل من بعض المسلمين هداهم الله بعض المخالفات حيث يريد هؤلاء التقرب إلى الله تعالى ومغفرة الذنوب وحب الله عز وجل ورضاه بعبادات لم يشرعها الله تعالى لهم ولم يأذن بها، ويسمعون بهذه الليالي وما فيها من المبالغات في الأجور، مثل من صلى ليلتها فله عبادة ألف سنة، ومن عمل كذا فله أجر أربعين ألف سنة، وغير ذلك، فيقبلون عليها، ولا شك أنهم يريدون الخير ولكن، إن العبرة ليست فقط بالنية الحسنة بل يجب مع النية الحسنة أن يكون العمل مشروعا، ومما يفعل في شهر رجب الذبائح، وقد كانوا في الجاهلية يذبحون ذبيحة يسمونها العتيرة، وقد أبطلها الإسلام لحديث أبي هريرة رضي الله تعالى عنه في الصحيحين أن النبي صلى الله عليه وسلم قال “لا فرع ولا عتيرة”
وكذلك مما أحدث في شهر رجب الصلاة التي لم يأذن بها الله ولا رسوله، وهي ما يسمونه بصلاة الرغائب، فقال العلماء لم يصح في شهر رجب صلاة مخصوصة تختص به، والأحاديث المروية في فضل صلاة الرغائب كذب وباطل لا تصح وقال بعض أهل العلم إنها صلاة أحدثت بعد المائة الرابعة ولم تعرف قبل ذلك، كذلك لم يتكلم عنها علماء القرون المفضلة، وكذلك مما يخص به بعض الناس شهر رجب دون غيره الصيام، ولم يصح في صوم شهر رجب بخصوصه حديث، ولكن من كان له عادة صوم يصومها فليفعل، بل لم يكن رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم شهرا كاملا سوى شهر رمضان، كما روت ذلك أم المؤمنين السيدة عائشة رضي الله عنها قالت ” كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يصوم حتى نقول لا يفطر، ويفطر حتى نقول لا يصوم، فما رأيت رسول الله صلى الله عليه وسلم استكمل صيام شهر إلا رمضان وما رأيته أكثر صياما منه في شعبان” رواه البخارى ومسلم.
وكذلك مما أحدث في شهر رجب مايسمونه بالعمرة الرجبية وهذا أيضا من الخطأ فإنه لم يرد حديث في فضل العمرة في شهر من الشهور إلا في شهر رمضان، فقد ورد في الصحيح أن “عمرة في رمضان تعدل حجة” وفي رواية ” حجة معي” ولذلك فإن من اعتمر في هذا الشهر قاصدا ألشهر فقد أخطأ، ورسول الله صلى الله عليه وسلم لم يعتمر في رجب أبدا مع أنه اعتمر أربع مرات، كذلك فإنه لم يرد في السير ولا في السنة أن النبي صلى الله عليه وسلم أمر بإحياء ليلة الإسراء والمعراج بذكر معين أو بصلاة أو بصيام يوم معين لأجل الإسراء والمعراج كما أحدثه كثير من الناس في الأيام الأخيرة مثل الصلاة التي تسمى صلاة الرغائب بصفة مخصوصة وذكر معين في أول خميس من شهر رجب، أو في صيام أيام منه أو الاحتفال في ليلة معينة كليلة السابع والعشرين من شهر رجب.
على اعتبار أنها ليلة الإسراء والمعراج وقراءة القصة التي فيها زيادات وأكاذيب لم تثبت عن النبي صلى الله عليه وسلم والتي يتداولها بعض الناس، والأدعية المخصوصة التي تقال في تلك الليلة كلها ظلمات بعضها فوق بعض، وقد قال العلماء إن هذه الأعمال التي تقام في شهر رجب أمور غير مشروعة باتفاق أئمة الإسلام، ولا ينشئ مثل هذا إلا جاهل مبتدع، فإن صغائر الذنوب متى استرسل فيها الإنسان كان على وجهه في النار مكبوب إلا أن يتوب، وإلى ربه يؤوب، وكما أن المعاصي تعظم في الأشهر الحرم، فكذلك الحسنات والطاعات تعظم وتضاعف في هذه الأشهر، فالتقرب إلى الله عز وجل بالطاعة في الشهر الحرام أفضل وأحب إليه سبحانه من التعبد في سائر الأيام كما سبق في قول ابن عباس رضي الله عنهما “وجعل الذنب فيهن أعظم، والعمل الصالح والأجر أعظم” فيستحب للمسلم في هذه الأشهر الإكثار والمواظبة على ما ثبتت به السنة.
في سائر الأيام من نوافل الطاعات، من صلاة، وصيام، وصدقات، وغيرها من القربات، مع المحافظة على الفرائضِ والواجبات، ولكن لا يشرع تخصيصها بعبادة من العبادات، أو اعتقاد أن لها فضلا، في هذه الأشهر على سائر الطاعات.