الدكرورى يكتب عن فضائل وبدع شهر رجب ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء التاسع مع فضائل وبدع شهر رجب، وينبغي للمسلم ألا ينشر حديثا حتى يتأكد من ثبوته وصحته، فمن ذلك على سبيل المثال، هو حديث قيل، كان رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إذا دخل رجب قال” اللهم بارك لنا في رجب وشعبان وبلغنا رمضان ” فهذا حديث ضعيف، وأيضا حديث “رجب شهر الله، وشعبان شهري، ورمضان شهر أمتي” وهذا ضعيف أيضا، أخرجه الأصبهاني في الترغيب، وأيضا حديث فضل شهر رجب على سائر الشهور كفضل القرآن على سائر الأذكار، وهذا حديث موضوع كما نبه عليه ابن حجر في تبيين العجب بما ورد في شهر رجب، فاحذروا من ارتياد البدع أو استحسانها، والتزموا كتاب الله وهدي نبيه صلى الله عليه وسلم، ففيهما الكفاية والنجاة، واسألوا أهل الذكر إن كنتم لا تعلمون.
وإن في شهر رجب تتشوق نفوس المؤمنين لشهر رمضان وتهب عليهم نسائمه ويستشعرون قربه، قال أبو بكر الوراق شهر رجب شهر الزرع، وشعبان شهر السقي للزرع، ورمضان شهر حصاد الزرع، وجدير بمن سود صحيفته بالذنوب أن يبيضها بالتوبة في هذا الشهر، وبمن ضيع عمره في البطالة أن يغتنم فيه ما بقي من العمر، ولقد فضل الله تعالى بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة وذلك ليجد العباد في وجوه البر، وأعمال الخير، ويكثروا فيهن من الأعمال الصالحة، التي تقربهم من ربهم، وترفع درجاتهم، وتكفر سيئاتهم، ومن هذه المواسم التي فضلها الله تعالى الأشهر الحرم، والتي سميت بذلك بسبب تحريم القتال فيها، إلا أن يبادر العدو إليه، كما أن انتهاك المحارم في هذه الأشهر أشد من غيرها من شهور السنة.
لذلك نهانا الله تعالى عن الظلم، وارتكاب المعاصي في هذه الأشهر، فقال الله تعالى ” فلا تظلموا فيهن أنفسكم ” فالواجب على المسلم أن يعرف قدر هذه الأشهر الحرم، وذلك لأن معرفتها وتعظيمها وهكذا فلقد شرع الله تعالى منذ الأزل الأشهر كلها واستثنى منها أربعة أشهر حرم فيها القتال والتعدي على الآخرين فقال تعالى ” إن عدة الشهور عند الله اثنا عشر شهرا في كتاب الله يوم خلق السموات والأرض منها أربعة حرم” وهذه الأربعة هي على التوالي هى ذو القعدة وذو الحجة والمحرم ، ثم يأتي الشهر الرابع منفصلا وهو رجب الفذ، أي الفرد، وإن رجب في اللغة من الترجيب، وهو التعظيم، فقد كانوا في الجاهلية يعظمونه ويحرمون فيه القتال، ويعيرون بعضهم بعضا إن أغارت قبيلة بالقتال على أخرى في شهر رجب، وهكذا ظل وسيظل إلى يوم القيامة.
تعظيما لشعائر الله تعالى “ذلك ومن يعظم شعائر الله فإنها من تقوى القلوب” وإن مما أحدث الناس من الأمور التي ليس لها أصل في الشريعة مما يعتقده البعض من فضيلة العمل في هذا الشهر, شهر رجب, وزعمهم أن العمل فيه أفضل من غيره وأن له خصوصية عمل امتاز بها عن بقية الشهور وغير ذلك من الأمور المحدثة لم يثبت منها شيء عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ولا عن أحد من أصحابه رضي الله عنهم أجمعين، وقال الحافظ ابن حجر رحمه الله تعالى، لم يثبت في شهر رجب لا في صيامه ولا في صيام أيام معينة منه ولافي قيام ليلة فيه معينة حديث صحيح يصلح للحجة، وقال الإمام ابن القيم رحمه الله تعالى، كل حديث في صيام شهر رجب وصلاة بعض الليالي فهو كذب مفترى، وقال الشيخ الشوكاني رحمه الله تعالى، جميع ما ورد فيه من النصوص.
إما موضوع مكذوب وإما ضعيف شديد الضعف، فقد روى الطبراني بإسناد صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “ما تركت شيئا يقربكم إلى الله إلا وأمرتكم به، وما تركت شيئا يبعدكم عن الله إلا وقد نهيتكم عنه” فكل عبادة يجب أن تكون محكمة بحكم الشرع في أمره صلى الله عليه وسلم ونهيه، جارية على نهجه، موافقة لطريقته، وما سوى ذلك فمردود على صاحبه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد” أو قال صلى الله عليه وسلم أيضا “ومن أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد” فبسبب البدع وأهلها يكثر الجدل بغير الحق، وتحصل الخصومة في الدين، وقد قال قتادة رحمه الله تعالى في قوله تعالى ” ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا من بعد ما جاءهم البينات” قال هم أهل البدع.