الدكرورى يكتب عن فضائل وبدع شهر رجب ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الخامس مع فضائل وبدع شهر رجب، وقد قال شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن صلاة الرغائب بدعة بإتفاق أئمة الدين كمالك والشافعي وأبي حنيفة والثوري والأوزاعي والليث وغيرهم، وإن الحديث المروي فيها كذب بإجماع لأهل المعرفة بالحديث، وقد روي أنه كان فى شهر رجب حوادث عظيمة، ولم يصح شيء من ذلك، فروي أن النبي صلى الله عليه وسلم وُلد في أول ليلة منه، وأنه بعث في ليلة السابع والعشرين منه، وقيل في الخامس والعشرين، ولا يصح شيء من ذلك، وروي بإسناد لا يصح عن القاسم بن محمد أن الإسراء بالنبي صلى الله عليه وسلم، كان في السابع والعشرين من رجب، وأنكر ذلك إبراهيم الحربي وغيره، فأصبح من بدع هذا الشهر قراءة قصة المعراج والاحتفال بها في ليلة السابع والعشرين من رجب.
وتخصيص تلك الليلة بزيادة عبادة كقيام ليل أو صيام نهار، أو ما يظهر فيها من الفرح والغبطة، وما يقام من احتفالات تصاحبها المحرمات الصريحة كالاختلاط والأغاني والموسيقى وهذا كله لا يجوز في العيدين الشرعيين فضلا عن الأعياد المبتدعة، أضف إلى ذلك أن هذا التاريخ لم يثبت جزما وقوع الإسراء والمعراج فيه، ولو ثبت فلا يعد ذلك شرعا مبررا للاحتفال فيه لعدم ورود ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم ولا عن الصحابة رضوان الله عليهم ولا عن أحد من سلف هذه الأمة الأخيار ولو كان خيرا لسبقونا إليه، وكذلك من البدع فى شهر رجب هو صلاة أم داود في نصف رجب، والتصدق عن روح الموتى فى شهر رجب، والأدعية التي تقال في شهر رجب بخصوصه كلها مخترعة ومبتدعة، وتخصيص زيارة المقابر في شهر رجب.
وهذه بدعة محدثة أيضا فالزيارة تكون في أي وقت من العام، وقد عقد ابن حجر في هذه رسالتة فصلا ذكر فيه، أحاديث تتضمن النهى عن صوم رجب كله، ثم قال هذا النهي منصرف إلى من يصومه مُعظما لأمر الجاهلية، أما إن صامه لقصد الصوم في الجملة من غير أن يجعله حتما أو يخص منه أياما معينة يواظب على صومها، أو ليالى معينة يواظب على قيامها، بحيث يظن أنها سنة، فهذا من فعله مع السلامة مما استثنى فلا بأس به، فإن خص ذلك أو جعله حتما فهذا محظور، وهو في المنع بمعنى قوله صلى الله عليه وسلم “لا تخصوا يوم الجمعة بصيام ولا ليلتها بقيام” رواه مسلم، وإن صامه معتقدا أن صيامه أو صيام شيء منه أفضل من صيام غيره ففي هذا نظر، ومال ابن حجر إلى المنع، ونقل عن أبي بكر الطرطوشي في كتاب البدع والحوادث.
أن صوم رجب يُكره على ثلاثة أوجه، أحدها أنه إذا خصه المسلمون بالصوم في كل عام حسب العوام، إما أنه فرض كشهر رمضان، وإما سنة ثابتة كالسنن الثابتة، وإما لأن الصوم فيه مخصوص بفضل ثواب على صيام باقي الشهور، ولو كان من هذا شيء لبينه النبى صلى الله عليه وسلم، وقال ابن دحية، الصيام عمل بِر، لا لفضل صوم شهر رجب فقد كان عمر بن الخطاب رضى الله عنه ينهى عنه، هذا وقد حرص الناس والنساء بوجه خاص على زيارة القبور في أول جمعة من شهر رجب وهذا ليس له أصل من الدين، ولا ثواب لها أكثر من ثواب الزيارة في غير هذا اليوم، والأولى في شهر رجب أن نتذكر الأحداث التاريخية التي وقعت فيه مثل غزوة تبوك لنأخذ منها العبرة، ونتذكر تخليص صلاح الدين الأيوبي للقدس من أيدي الصليبيين في شهر رجب.
ليتوحد العرب والمسلمون لتطهير المسجد الأقصى من رأس الغاصبين، ولقد فضل الله سبحانه وتعالى، بعض الأيام والليالي والشهور على بعض، حسبما اقتضته حكمته البالغة ليجد العباد في وجوه البر، ويكثروا فيها من الأعمال الصالحة، ولكن شياطين الإنس والجن عملوا على صد الناس عن سواء السبيل، فزينوا لطائفة من الناس أن مواسم الفضل والرحمة مجال للهو والراحة، فابتدعوا أمورا وأعمالا لم ترد على النبي صلى الله عليه وسلم، وإن الابتداع في الدين من الأمور الخطيرة التي تناقض نصوص الكتاب والسنة فالنبي صلى الله عليه لم يمت إلا وقد اكتمل الدين، وكان من أواخر ما خوطب به النبي صلى الله عليه وسلم قوله تعالى كما جاء فى سورة المائدة “اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا”