الدكرورى يكتب عن سفانة بنت حاتم الطائي ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثاني مع السيدة سفانة بنت حاتم الطائي، وكانت سفانة إلى جانب الإحسان وجود اليد، فصيحة اللسان إذا تكلمت أعجبت، وإن استرسلت أدهشت، قوية الشخصية، فمر بها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقامت إليه وكانت امرأة جزلة فقالت يا رسول الله صلى الله عليه وسلم، هلك الوالد، وغاب الوافد، فامنن علي من الله عليك قال ” من وافدك؟ ” قالت عدي بن حاتم، قال ” الفار من الله ورسوله؟ ” قالت ثم مضى رسول الله صلى الله عليه وسلم وتركني، ومضى حتى مرّ ثلاث، فأشار إلي رجل من خلفه أن قومي فكلميه، ويقال أنه على بن أبى طالب رضى الله عنه، من قال لها ذلك، فقمت فقلت يا رسول الله، لا تشمت بي أحياء العرب، فإني بنت سيد قومي، كان أبي يفك الأسير ويحمي الضعيف، ويقري الضيف، ويشبع الجائع.
ويفرج عن المكروب، ويطعم الطعام، ويفشي السلام، ولم يرد طالب حاجة قط، أنا بنت حاتم الطائي، أوليس الذي يتصف بتلك الخلال جديرا بأن يشفع في نفسه، ويشفع للآخرين بسجاياه؟، فرد صلى الله عليه وسلم يا جارية، هذه صفة المؤمن، لو كان أبوك مسلما لترحمنا عليه، ثم قال لأصحابه خلوا عنها، فإن أباها كان يحب مكارم الأخلاق، أطلقوا من معها كرامة لها ولأبيها، ثم قال ارحموا ثلاثا وحق لهم أن يُرحموا، عزيزا ذل من بعد عزّه، وغنيا أفتقر من بعد غناه، وعالما ضاع ما بين جُهّال، ثم قال لها لا تعجلي حتى تجدي ثقة يبلغك بلادك، ثم آذنيني، رأت في النبي صلى الله عليه وسلم، جودا لا كالجود.
وكرما فاق كرم أبيها، محبا للفقير، يفك الأسير، ويرحم الصغير، ويعرف قدر الكبير، فأيقنت أن هذا الخُلق الكريم لا يصدر إلا من قلب ينبض بالرحمة، فدعت له، اعترافا بالصنيع، وردا للجميل، ووفاء للإحسان، فقالت أصاب الله ببرك مواقعه، ولا جعل لك إلى لئيم حاجة، ولا سلب نعمة عن كريم قوم إلا وجعلك سببا في ردها عليه، واستأذنت من رسول الله صلى الله عليه وسلم، فكساها ومنحها راحلة تقلها واعطاها نفقة تكفيها وأسلمت وخرجت إلي الشام وكانت سبب في أسلام أخيها وقومها، فعندما ارتحلت سفانة حتى قدمت على أخيها عدي بالشام، لأنه لما سمع بخيل رسول الله صلى الله عليه وسلم هرب بأهله وولده وفرّ إلى الشام
فلما وصلت إليه أخبرته بما لقيت من رسول الله من كرم وحسن معاملة، وقالت له أرى أن تلحق به سريعا، فإن يكن نبيا فللسابق إليه فضله، وإن يكن ملكا فأنت أنت، فما كان منه إلا أن أخذ بمشورتها، وقدم على النبي، ثم أسلم، وقد اشتهرت سفانة بالكرم والسخاء مثل أبيها حاتم الطائي، فقد كان أبوها يعطيها من إبله ما بين العشرة إلى الأربعين، فتهبها وتعطيها الناس، فقال لها حاتم يابنية، إن القرينين إذا اجتمعا في المال أتلفاه، فإما أن أعطى وتمسكي، وإما أن أمسك وتعطي، فإنه لا يبقى على هذا شيء فقالت والله لا أمسك أبدا، وقال أبوها وأنا والله لا أمسك أبدا، قالت فلا نتجاور، فقاسمها ماله وتباينا ولم يتجاورا.
ويقول عدي بن حاتم رضي الله عنه عن قصة إسلامه والتي كانت بدايتها إحسان النبي صلى الله عليه وسلم لأخته سفانة فيقول، فقلت لو أتيت هذا الرجل فإن كان كاذبا لم يخف عليّ، وإن كان صادقا اتبعته، فأقبلت فلما قدمت المدينة استشرف لي الناس أى نظروا إليّ، وقالوا جاء عدي بن حاتم، جاء عدي بن حاتم، فقال النبي صلى الله عليه وسلم لي يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، قال قلت إن لي دينا، قال أنا أعلم بدينك منك، مرتين أو ثلاثا، ألست ترأس قومك؟ قال قلت بلى، قال ألست تأكل المرباع أى ربع غنائم الحرب؟ قال قلت بلى، قال فإن ذلك لا يحل لك في دينك، قال فتضعضعت لذلك،
ثم قال يا عدي بن حاتم أسلم تسلم، فإني قد أظن أو قد أرى أو كما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، أنه ما يمنعك أن تسلم خصاصة أى حاجة وفقر، تراها من حولي، وتوشك الظعينة وهى المرأة على البعير في الهودج، أن ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، ولتفتحن علينا كنوز كسرى بن هرمز، وليفيضن المال أو ليفيض، حتى يهم الرجل من يقبل منه ماله صدقة، قال عدي بن حاتم فقد رأيت الظعينة ترحل من الحيرة بغير جوار حتى تطوف بالبيت، وكنت في أول خيل أغارت على المدائن على كنوز كسرى بن هرمز، وأحلف بالله لتجيئن الثالثة، إنه لقول رسول الله صلى الله عليه و سلم لي” رواه أحمد.