الدكرورى يكتب عن خيره بنت أبي حدرد الأسلمي
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
أم الدرداء وهى السيدة خيرة بنت أبي حدرد الأسلمي، وهى صحابية جليلة، وهى إحدى عابدات الشام التي كان لها السبق في العبادة والصلاح حتى قصدها الناس ليتعلموا منها رقة القلب وخشوع الجوارح عند ذكر الله عز وجل وقراءة القرآن الكريم، وكانت من فضليات النساء وعقلائهن، وذات رأي سديد، وقد أسلمت مع زوجها عويمر الأنصاري أبو الدرداء وحسُن إسلامهما، فهي زوجة الصحابي أبو الدرداء الأنصاري، وأبو الدرداء الأنصاري هو صحابي وفقيه وقاضي وقارئ قرآن وهو أحد رواة الحديث النبوي، وهو من الأنصار من بني كعب بن الخزرج بن الحارث بن الخزرج، وقد أسلم متأخرا يوم بدر، ودافع عن النبي صلى الله عليه وسلم، يوم أحد، وشهد ما بعد ذلك من المشاهد، وكان من المجتهدين في التعبد وقراءة القرآن، وقد رحل إلى الشام بعد فتحها ليُعلم الناس القرآن، وليفقههم في دينهم، وتولى قضاء دمشق.
وقد ظل بها إلى أن مات فيها في خلافة عثمان بن عفان، وقد تأخر إسلام أبي الدرداء إلى يوم بدر، وهو آخر من أسلم من أهله، ومن آخر الأنصار إسلاما، وكان يعبد صنما، فدخل أخوه لأمه عبد الله بن رواحة ومحمد بن مسلمة بيته، فكسرا صنمه، فرجع، فجعل يجمع الصنم، ويقول ويحك، هلا امتنعت، ألا دفعت عن نفسك؟ فقالت زوجته أم الدرداء لو كان ينفع أو يدفع عن أحد، دفع عن نفسه، ونفعها، فقام من ساعته إلى النبي صلى الله عليه وسلم، وأسلم، وكان أبو الدرداء قبل إسلامه تاجرا، فلما أسلم، لم يقوي على الجمع بين التجارة والعبادة، فترك التجارة، ولزم العبادة، وقد قيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قد آخى بين سلمان وأبي الدرداء، فجاءه سلمان يزوره، فإذا أم الدرداء متبذلة، فقال ما شأنك؟ قالت إن أخاك لا حاجة له في الدنيا، يقوم الليل، ويصوم النهار، فجاء أبو الدرداء، فرحب به، وقرب إليه طعاما، فقال له سلمان كل، قال إني صائم.
قال أقسمت عليك لتفطرن، فأكل معه، ثم بات عنده، فلما كان من الليل، أراد أبو الدرداء أن يقوم، فمنعه سلمان، وقال إن لجسدك عليك حقا، ولربك عليك حقا، ولأهلك عليك حقا، صم وأفطر، وصلي وائتي أهلك، وأعطي كل ذي حق حقه، فلما كان وجه الصبح، قال قم الآن إن شئت، فقاما، فتوضآ، ثم ركعا، ثم خرجا إلى الصلاة، فدنا أبو الدرداء ليخبر رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالذي أمره سلمان، فقال له يا أبا الدرداء، إن لجسدك عليك حقا، مثل ما قال لك سلمان، وبعد وفاة النبي صلى الله عليه وسلم، واتساع الفتوحات الإسلامية، أمر الخليفة عمر بن الخطاب أبا الدرداء بالخروج إلى الشام ليعلم الناس القرآن، ويفقههم في الدين، ففعل، وفي خلافة عثمان بن عفان، ولاه معاوية بن أبي سفيان قضاء دمشق، وقد توفي أبو الدرداء في دمشق سنة اثنين وثلاثين من الهجره وقيل قبل مقتل عثمان بسنتين، وقد تأخر إسلام أم الدرداء وزوجها.
فقيل أنهما أسلما يوم بدر، بل وقيل أنه آخر من أسلم من الأنصار، وسبب ذلك أن زوجها كان متعلقا بصنم له، وكان عبد الله بن رواحة أخا له قبل الإسلام، وعبد الله بن رواحة هو صحابي بدري وشاعر وقائد عسكري، وأحد نقباء الأنصار الإثنا عشر، وقد شارك في غزوات النبي صلى الله عليه وسلم، وكان أحد الشعراء الذين يدافعون بشعرهم عن النبي صلى الله عليه وسلم، وقد استشهد في يوم غزوة مؤتة وهو قائد المسلمين أمام الروم وحلفائهم الغساسنة، وينتمي عبد الله بن رواحة بن ثعلبة بن امرئ القيس بن عمرو بن امرئ القيس بن مالك الأغر بن ثعلبة بن كعب بن الخزرج إلى بني الحارث أحد بطون قبيلة الخزرج الأزدية، وكانت أمه أيضا من بني الحارث وهي كبشة بنت واقد بن عمرو بن الإطنابة بن عامر بن زيد مناة بن مالك الأغر، وكان ابن رواحة يُكنى بأبي عمرو، وقيل أبي محمد، وقيل أبي رواحة، وهو خال النعمان بن بشير.
وأخو أبو الدرداء لأمه، فكان عبد الله بن رواحة من السابقين إلى الإسلام من الأنصار، وكان أحد نقباء الأنصار الإثني عشر عن بني الحارث من الخزرج في بيعة العقبة، وقد صحب النبي صلى الله عليه وسلم، بعد هجرته إلى يثرب، وقد آخى بينه وبين المقداد بن عمرو، وقد خاض ابن رواحة مع النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، غزوة بدر، وقد بعثه النبي صلى الله عليه وسلم، بعد المعركة ليبشّر بني عمرو بن عوف وخطمة ووائل من الأنصار بالنصر، وكما شارك في غزوات أحد والخندق وخيبر وصلح الحديبية، وشهد مع النبي صلى الله عليه وسلم، عمرة القضاء، وكان عبد الله يدعوه إلى الإسلام فيقول يا عويمر، أترضى أن تكون آخر دارك إسلاما؟ فيأبى أبو الدرداء، وذات يوم خرج أبو الدرداء من داره، فجاء ابن رواحة فحطم الصنم، وحين عاد أبو الدرداء، سأل امرأته عن ذلك، فأخبرته: أنه أخوك عبد الله بن رواحة دخل فصنع ما ترى.
فنظر أبو الدرداء إلى الصنم المحطم وغضب وقال لو كان عند هذا خير لدافع عن نفسه، ثم انطلق إلى ابن رواحة وقال له اصحبني إلى محمد، وأسلم وأسلمت معه زوجته، وكانت من فضليات الصحابة، وقد حفظت أحاديث الرسول صلى الله عليه وسلم، فروى عنها كثير من التابعين مثل صفوان بن عبد الله، والتابعون في التاريخ الإسلامي هم شخصيات مسلمة لم تعاصر النبى صلى الله عليه وسلم، ولكنها عاشت في فترة لاحقة وكان لها دور ملحوظ في فترة حياتها أو كانت من الشخصيات التي نقلت الأحاديث عن الصحابة، ومن مواقف أم الدرداء مع الرسول صلى الله عليه وسلم، أنه يروي سهل بن معاذ عن أبيه عن أم الدرداء أنه سمعها تقول لقيني رسول الله وقد خرجت من الحمام فقال “من أين يا أم الدرداء؟”
فقالت من الحمام، فقال “والذي نفسي بيده، ما من امرأة تضع ثيابها في غير بيت أحد من أمهاتها إلا وهي هاتكة كل ستر بينها وبين الرحمن ” وعن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “ما من ميت يقرأ عنده سورة يس إلا هون عليه الموت” وعن أم الدرداء عن النبي صلى الله عليه وسلم، قال “إن الله تجاوز لأمتي عن ثلاث عن الخطأ والنسيان والاستكراه” ولأم الدرداء رواية لخمسة أحاديث عن النبي صلى الله عليه وسلم، وعن زوجها، وقد توفيت أم الدرداء قبل أبي الدرداء بسنتين، وكانت وفاتها بالشام في خلافة عثمان بن عفان رضى الله عنهم أجمعين.