الدكرورى يكتب عن السيدة زينب بنت محمد ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
ونكمل الجزء الثاني مع السيدة زينب بنت محمد، وقد أسلم أبو العاص بن الربيع رضي الله عنه، فردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه زينب رضي الله عنها بنكاح جديد، ويُقال بل ردّها بالنكاح الأول ، وكان ردّها في شهر المحرم سنة سبعة من الهجرة، وكان إسلامه بعد أن ردوا عليه ماله ما فقد منه شيئا، احتمل إلى مكة، فأدى إلى كل ذي مال من قريش ماله الذي كان أبضع معه، ثم قال “يا معشر قريش، هل لأحد منكم مال لم يأخذه؟” قالوا جزاك الله خيرا، فقد وجدناك وفيّا كريما، قال “فإني أشهد أن لا إله إلا الله وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، والله ما منعني من الإسلام إلا تخوف أن تظنوا أني آكل أموالكم، فلما أدّاها الله عز وجل إليكم أسلمت” ثم خرج حتى قَدم على رسول الله صلى الله عليه وسلم مسلما، وحسن إسلامه.
وردّ رسول الله صلى الله عليه وسلم ابنته عليه، وقد ولدت السيدة زينب رضي الله عنها عليّا وأمامة، وكان أبو العاص رضي الله عنه قد جعل عليّا ابنه وهو سبط الرسول صلى الله عليه وسلم في قبيلة للرضاعة، ثم استرجعه النبي صلى الله عليه وسلم بعد رضاعته وربّاه في كنفه، وعلي رضي الله عنه هو الذي ردف النبي على ناقته يوم الفتح، وتوفي وهو في عمر الشباب، وكانت السيدة فاطمة البتول رضي الله عنها قد أوصت زوجها عليّا رضي الله عنه بأن يتزوج أمامة، فتزوجها بناء على هذه الوصية، وكان علي بن أبي طالب رضي لله عنه قد أمر المغيرة بن نوفل بن الحارث أن يتزوج أمامة زوجته بعده، فتزوجت المغيرة بإذن الحسن رضي الله عنه، فولدت أمامة للمغيرة ابنا اسمه يحيى ولم يعقب، وقيل إنها لم تلد لا لعليّ ولا للمغيرة رضي الله عنهم أجمعينز
وكان سبب وفاتها أنه لما رجع أبو العاص إلى مكة وقد خُلي سبيله بعث رسول الله صلى الله عليه وسلم زيد بن حارثة ورجلا من الأنصار مكانه، فقال ” كونا ببطن يأجج حتي تمر بكما زينب فتصحباها حتي تأتيا بها” فخرجا مكانهما وذلك بعد بدر بشهر أو قريب منه، فلما قَدم أبو العاص مكة أمرها باللحوق بأبيها، فخرجت تتجهز، فلما فرغت من جهازها قدم إليها أخو زوجها كنانة بن الربيع بعيرا فركبته، وأخذ قوسه وكنانته، ثم خرج بها نهارا يقود بها وهي في هودج لها، وتحدث بذلك رجال من قريش، فخرجوا في طلبها حتى أدركوها بذي طوى، وكان أول من سبق إليها هبّار بن الأسود بن المطلب بن أسد بن عبد العُزّى والفهري، فروّعها هبّار بالرمح وهي في الهودج وكانت حاملا، وقد اختلف الرواة في حملها، فطرحت، وبرك حموها كنانة ونثر كنانته.
ثم قال والله لا يدنو مني رجل إلا وضعت فيه سهما، فتكركر الناس عنه، ولم تمكث زينب بنت محمد رضي الله عنها وأرضاها، بعد عودة زوجها إليها طويلا، لأنها توفيت في العام الثامن من الهجرة وكان عمرها آنذاك ما يقارب التاسعة والعشرون وقد توفيت في حياة أبيها صلى الله عليه وسلم، وقيل أن سبب وفاتها ما تعرضت له أثناء هجرتها من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة من إسقاط جنينها، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول ” هي أفضل بناتي أصيبت في” فلازمها المرض من وقتها حتى توفيت في سنة ثماني من الهجرة بالمدينة، فغسلتها أم أيمن، وأم المؤمنين السيدة سودة بنت زمعة، وأم المؤمنين السيدة أم سلمة رضي الله عنهن أجمعين، وصلى عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ونزل في قبرها ومعه أبو العاص، وجُعل لها نعش،
فكانت أول من اتخذ لها ذلك، والذي أشارت باتخاذه هي السيدة أسماء بنت عميس، حيث رأته بالحبشة وهي مع زوجها جعفر بن أبي طالب، ولم تعيش السيدة زينب رضي الله عنها طويلا بعد إسلام زوجها والتقائها به، إذ توفيت رضي الله عنها في العام الثامن من الهجرة النبوية في حياة النبي صلى الله عليه وسلم، وأما وفاة أبي العاص فقد تأخرت عن وفاتها رضي الله عنها، وقال الذهبي “زينب كانت رضي الله عنها أَكبر بنات رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتوفيت فى السنه الثامنه من الهجره” وقال “ومات أبو العاص في شهر ذي الحجة، سنة اثنتي عشرة في خلافة أبى بكر الصديق رضي الله عنه وقال ابن حجر “مات أبو العاص بن الربيع في خلافة أبي بكر في ذي الحجة سنة اثنتي عشرة من الهجرة، وفارقت زينب رضي الله عنها الدنيا بعد أن ضربت مثلا عاليا في صدق الإيمان ووفاء الزوجة.
وبكاها أبو العاص رضي الله عنها بكاء حارا، وحزن عليها النبي صلى الله عليه وسلم حزنا شديدا، وأعطى النساء اللاتي يغسلنها قبل دفنها إزاره الذي يشد على الخصر، وأمرهن أن يجعلوه يلاصق جسدها الطاهر مباشرة ، فعن أم عطية رضي الله عنها قالت “لما ماتت زينب بنت رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال لنا رسول الله صلى الله عليه وسلم “اغسلنها وترا، أى ثلاثا أو خمسا، واجعلن في الخامسة كافورا، أو شيئا من كافور، فإذا غسلتنها فأعلمننى، قالت فأعلمناه، فأعطانا حقوه أي إزاره، وقال أشعرنها أى ” ألففنها ” إياه” رواه مسلم، وبهذا كانت سيرة السيدة زينب رضي الله عنها أولى حبّات العقد الفريد في بيت الرسول الطاهر المبارك عليه وعلى آله وصحبه أفضل الصلاة وأتم التسليم.