الدكرورى يكتب عن السيدة أم حرام بنت ملحان
بقلم / محمـــد الدكـــــرورى
هي شهيدة البحر، السيدة أم حرام بنت ملحان، الأنصارية الخزرجية، وهى أخت أم سليم، وخالة أنس بن مالك، وزوجة عبادة بن الصامت، رضى الله عنهم أجمعين، وهى من أوائل المسلمات بالمدينة، وهي أم حرام بنت ملحان بن خالد بن زيد بن حرام بن جندب بن النجار الأنصارية الخزرجية، وكان أخواها سليم وحرام اللذين شهدا غزوتي بدر وأحد، وكان حرام في سرية المنذر بن عمرو يوم بئر معونة، وكان أول من استشهد فيها، وهو القائل عندما طعن من الخلف بالرمح فزت ورب الكعبة، وأما عن حرام بن ملحان فهو صحابي من بني عدي بن النجار من الخزرج، وقد شهد غزوتي بدر وأحد، وقتل يوم بئر معونة، وكان أول من قُتل يومها، وأم حرام بن ملحان هي إحدى السابقات الأنصاريات إلى الإسلام من آل ملحان من الصحابة الأخيار الذين تذوقوا حلاوة الإيمان، فسرت في نفوسهم محبة الله ومحبة رسوله صلى الله عليه وسلم.
فربحوا الدنيا والآخرة، فهؤلاء الفائزون ساهموا رجالا ونساء، في دروب الخير من جهاد وعلم وكرم وإيثار وغير ذلك، وكان همّهم الفوز برضا الله عز وجل ومرضاة رسوله الكريم محمدصلى الله عليه وسلم، وحقا إنها أم حرام بنت ملحان بن خالد الأنصارية التجارية المدنية، وأم حرام بنت ملحان أخت الغميصاء، والغميصاء هي أم سليم بنت ملحان، إحدى النساء الفاضلات المبشرات بالجنة اللاتي تركن أثرا مباركا وضاء في عصر النبوة، وفي مكة وبالتحديد في موسم الحج، عرض الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، نفسه على القبائل القادمة من أنحاء الجزيرة العربية، وكان من بين الذين لقيهم من أهل يثرب، ومن بني أخواله بني النجار حرام بن ملحان أخو أم حرام، وعبادة بن الصامت، زوجها، فشرح الله صدورهم له وتشبعوا بروح القرآن، وآمنوا بالله ربا وبمحمد نبيّا، وكلما قرأ عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم.
آية أو سورة، صادفت في نفوسهم هوى وفي أفئدتهم تجاوبا، وصاروا يرددونه في مجالسهم، وينشرونه في أهل المدينة بعد عودتهم إلى ديارهم، وصادفت آيات القرآن وسوره من أم حرام وأختها أم سليم تجاوبا، فكانتا من أوائل المسلمات، في المدينة، وفي العام المقبل وافى إلى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلا فلقوا رسول الله صلى الله عليه وسلم، في العقبة وهي العقبة الأولى، وكان من بين النقباء الاثني عشر عبادة بن الصامت، الذي عاد مع بقية صحبه ينشرون الدين في كل أنحاء المدينة، حتى لم يبق بيت فيها إلا وفيه من يقرأ القرآن، واعتنقت الأختان أم حرام وأم سليم الدين الإسلامي، لأنه صادف ما فطرتا عليه من فضائل، فاستجابتا بسرعة وشرعتا بتطبيق مبادئه وتعاليمه، وأم حرام كذلك هي أم الشهيد قيس بن عمرو بن قيس وزوج الشهيد عمرو بن قيس وقد شهد ابنها بدرا، وشهد مع أبيه أحدا وقتلا يومها رضي الله عنهما، وحتى تكتمل أغصان هذه الشجرة المباركة.
فقد تزوجها أحد ألابطال عُبادة بن الصامت، وما أدراك ما عُبادة، فهو من الموصوفين بالورع والفقه، وهو واحد ممن شهدوا العقبة مع السبعين من الأنصار، وهو أحد النقباء الاثني عشر، شهد بدرا وأحدا والخندق وبيعة الرضوان، وسائر المشاهد كلها مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقد روى مائه وواحدا وثمانينا حديثا، وهو ممن جمع القرءان الكريم في عهد النبي صلى الله عليه وسلم، كما شهد فتح مصر، وأقام بحمص، وهو أول من ولي قضاء فلسطين، وتوفي سنة أربعه وثلاثين من الهجره، في مدينة الرملة، وأنجبت أم حرام من الصحابى عبادة ابنها محمد بن عبادة بن الصامت وكان عبادة، يُحسن إلى أم حرام وإلى ابنها عبد الله بن عمرو بن قيس ربيبه، وكان عبد الله بن عمرو هذا، خيِّرا فاضلا، وقد صلى القبلتين، وصحب النبي صلى الله عليه وسلم وروى عنه، وقد عاشت أم حرام مع زوجها عبادة بن الصامت الذي اقتبست منه معالم الخير والفضائل التي كانت موجودة فيه.
فقد كان أحد كُتاب الوحي، وأحد معلمي القرءان وجامعيه، وأحد النجوم الأبرار ليلة العقبة، وبطلا في معركة بدر، وعلما منيرا في بيعة الرضوان، وغير ذلك من المكارم التي أخذتها منه، فشاركت في نصرة الإسلام ونشره رضي الله عنها وعنه، وكانت من أهم ملامح شخصية أم حرام بنت ملحان، هو الشجاعة وحب الجهاد، وذلك لطلبُها من النبي صلى الله عليه وسلم، أن يدعو لها أن تكون من الغازين في البحر برغم عدم خبرة العرب في حروب البحار، وقد ساهمت في معارك أحد وحنين والخندق والفتح والطائف مع زوجها عبادة بن الصامت رضى الله عنهم جميعا، وقد اشتهرت الصحابية الجليلة أم حرام بالزهد والتقوى والورع، وهي كما قال عنها الذهبي كانت من علية النساء، وكانت من أهم ملامح شخصية أم حرام بنت ملحان، هو العلم والفقه ورجاحة العقل، فقال عنها صاحب السير، كانت من علية النساء وقد حدث عنها أنس بن مالك وغيره، ومن مواقف أم حرام بنت ملحان مع الرسول صلى الله عليه وسلم.
وقيل أنه كان رسول الله صلى الله عليه وسلم، يدخل على أم حرام بنت ملحان فتطعمه، وكانت خالته من الرضاعة،ومعنى فتطعمه أى تضيفه، وكانت أم حرام تحت عبادة بن الصامت فدخل عليها رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأطعمته وجعلت تفلي رأسه فنام رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم استيقظ وهو يضحك، قالت فقلت وما يضحكك يا رسول الله؟ قال ” ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله يركبون ثبج هذا البحر ملوكا على الأسرة أو مثل الملوك على الأسرة ” وشك إسحاق، قالت فقلت يا رسول الله، ادع الله أن يجعلني منهم، فدعا لها رسول الله صلى الله عليه وسلم، ثم وضع رأسه ثم استيقظ وهو يضحك، فقلت وما يضحكك يا رسول الله؟ قال ” ناس من أمتي عرضوا علي غزاة في سبيل الله” كما قال في الأول قالت فقلت يا رسول الله، ادعو الله أن يجعلني منهم قال “أنت من الأولين” فركبت البحر في زمان معاوية بن أبي سفيان.
فصرعت عن دابتها حين خرجت من البحر فهلكت، وأم حرام راوية للحديث النبوي الشريف، فقد روت عن النبي صلى الله عليه وسلم خمسة أحاديث، وروى عنها أجلاء الصحابة والتابعين، وأخرج لها منها في الصحيحين حديث واحد متفق عليه، وقيل إنها روت سبعة أحاديث، وقد روى عنها زوجها عبادة بن الصامت، وأنس بن مالك وعمير بن الأسود، وعطاء بن يسار، ويعلى بن شداد بن أوس وغيرهم كثير، ومن الأحاديث التي روتها أم حرام بنت ملحان عن الرسول صلى الله عليه وسلم، هو انها روت عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال “أول جيش من أمتي يركبون البحر قد أوجبوا، وأول جيش من أمتي يغزون مدينة قيصر مغفور لهم” وقد تمنت الصحابية الكريمة أم حرام رضي الله عنها أن تكون في قافلة الشهداء، وذلك لما سمعته عما للشهداء من منزلة وكرامة عند الله سبحانه وتعالى، فكانت الشهادة هدفا تريد تحقيقه.
وتسأل الله تعالى أن يكرمها بها إلى أن بشّرها بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم، ودعا لها بالشهادة وأخبرها بأنها شهيدة ستغزو البحر، ولما خرجت أم حرام مع زوجها عبادة غازية في البحر، فلما وصلوا إلى جزيرة قبرص خرجت من البحر، فقربت إليها دابة لتركبها فصرعتها فماتت ودفنت في موضعها، وذلك في إمارة معاوية وخلافة عثمان، ويقال إن معاوية غزا تلك الغزاة بنفسه ومعه أيضا امرأته فاختة بنت قرظة من بني نوفل بن عبد مناف، وقيل أنها قربت لها لأم حرام، بغلة لتركبها فصرعتها فاندقت عنقها فماتت، وذلك بقبرس سنة سبعه وعشرين من الهجره، ودفنت بها.