الدكرورى يكتب عن السيدة نفيسة العلم بنت الحسن ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكــــرورى
ونكمل الجزء الثاني مع السيدة نفيسة العلم بنت الحسن، ويعتبر الإمام الشافعي أكثر العلماء جلوسا إليها وأخذا عنها، في الوقت الذي بلغ فيه من الإمامة في الفقه مكانا عظيما، فقد كان يعتبر مجلسه في دارها مجلس تعلم عنها، ومجلسه في مسجد الفسطاط مجلس تعليم الناس، وكان الإمام الشافعى في زمانها إذا مرض يرسل لها ليسألها الدعاء فلا يرجع الرسول إلا وقد شفى الشافعي من مرضه، فلما مرض مرضه الذى مات فيه أرسل للسيدة نفيسة يسألها الدعاء كعادته فقالت “متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم” فعلم الشافعى بدنو أجله، وأوصى الإمام الشافعي أن تصلي عليه السيدة نفيسة في جنازته، فمرت الجنازة إلى دارها فصلت عليه مأمومه بالامام يعقوب البويطى ، حين وفاته عام مائتان وأربعة من الهجرة، تنفيذا لوصيته.
وكان لها دخل كبير في حضور الامام الشافعى إلى مصر ولهذا كان يكثر زيارتها والتلقى عنها وفى صحبته عبد الله بن الحكم وكان يصلى بها في مسجد بيتها وخصوصا تراويح رمضان وكانت تقدره، وتمده بما يعينه على اداء رسالته العلميه الكبرى، ولما مات الشافعى وكان في رجب من عام مائتان وأربعة من الهجرة، حملوه ودعت له وشهدت فيه خير الشهاده وقالت عنه عبارتها العجيبه المشهوره ” رحم الله الشافعى فقد كان يحسن الوضوء ” وقد حزنت على وفاته حزنا كبيرا، وكان لأخيها يحيى بنت واحدة اسمها زينب، انقطعت لخدمة عمتها، فتقول لقد خدمت عمتي نفيسة أربعين سنة، فما رأيتها نامت بليل أو أفطرت بنهار، إلا في العيد وأيام التشريق وتقول كانت عمتي تحفظ القرآن وتفسّره وتقرأه وتبكي، وهكذا عاشت في مصر معززة مكرّمة.
ينتهل من نمير علومها أهالي مصر، وهكذا ما أن حلّ عام مائتان وثمانية من الهجرة، ولم تكد تدخل سنتها الرابعة والستين، حتى أحست بدنو أجلها، فكتبت إلى زوجها تطلب حضوره وكانت السيدة نفيسة صائمة كعادتها، فألحوا عليها أن تفطر رفقا بها، فرفضت فانصرف الأطباء، وقد شدّهم الإعجاب بقوة يقينها وثبات دينها، فسألوها الدعاء، فقالت لهم خيرا ودعت لهم، وشاءت السيدة نفيسة أن تختم حياتها بتلاوة القرآن وبينما كانت تتلو سورة الأنعام، حتى إذا بلغت آية “لهم دار السلام عند ربهم وهو وليهم بما كانوا يعملون” غشي عليها، وتقول زينب، بنت أخيها، فضممتها إلى صدري، فتشهدت شهادة الحق، وصعدت روحها إلى باريها في السماء، ولما فاضت روحها أراد زوجها أن ينقلها إلى البقيع عند جدها رسول الله صلي الله عليه وسلم.
ولكن أهل مصر تمسكوا بها وطلبوا منه أن يدفنها عندهم فأبى ولكنه رأى في منامه الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم، يأمر بذلك فدفنها في قبرها الذي حفرته بنفسها في مصر، ويقول ” يا اسحاق لا تعارض أهل مصر في نفيسة فإن الرحمة تنزل عليهم ببركتها” .