الدكرورى يكتب عن مدعية النبوة سجاح الكاهنة ” جزء 10″بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مدعية النبوة سجاح الكاهنة ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع مدعية النبوة سجاح الكاهنة، وبعض المؤرخين وكتاب السير، لم يكونوا يستطيعون الجزم إن كانت سجاح بنت الحارث قد أعلنت نبوتها عن قناعة روحية راسخة أم هو الطموح بالسيطرة والنفوذ مستفيدة من الأوضاع السياسية المتأزمة والفوضى في عهد الخليفة أبي بكر الصديق رضى الله عنه رغم أنه يرجح الثانية فسجاح المثقفة كان لها علو المنزلة عند قومها ورأيها كان مطاعا، وعندما وصلت بجيشها إلى اليمامة وكان زعيمها مسلمة بن الحبيب وهو مسيلمة الكذاب واسمه الحقيقي مسلمة ولكن قدامى العرب المسلمين أطلقوا عليه مسيلمة احتقارا وتصغيرا له، فقد خاف من ضخامة جيشها على ملكه وطموحه خاصة بعدما عرف أنها أبرز منافسة له على مركز الخلافة.
فقرر مداراتها والتودد لها وكسبها إلى جبهته وفي ذلك قال عطارد بن حاجب التميمي أمست نبيتنا أنثى نطيف بها، وأصبحت أنبياء الناس ذكرانا، أي ذكورا، وفعلا كسبها مسيلمة إلى جانبه وتزوج منها ورضيت هي بالزواج منه كتكتيك فقد قدّرت أنها ستحتاجه لاحقا وأقامت معه بعض الوقت ثم علمت بالغارة الوشيكة لخالد بن الوليد على اليمامة بجيش هائل العدة والعدد فأدركت مقدار الوهم الذي تلبسها بالوصول إلى سدة الحكم، فكان أن أسلمت وتابت شكليا لتنقذ نفسها وقومها وربما لازمها لفترة شعور بالذنب أنها قد ورطت جيشها في مغامرة غير محسوبة النتائج وانصرفت عائدة إلى أخوالها في الموصل وفي الطريق بلغها خبر مقتل مسيلمة ولم تلبث أن تركت الموصل إلى البصرة.
لتعيش هناك بقية عمرها حتى توفيت فيها ورغم كل هذا فإن تأريخها البطولي جعلها دائمة الإحترام من قبل المثقفين والمنصفين في عصرها، بحيث إنها عندما توفيت صلى عليها سمرة بن جندب والي البصرة، ومما يروى عنها أنها لما عادت إلى جيشها بعد زواجها سألوها هل أعطاك مسيلمة صداق الزواج أى المهر، فأجابت كلا، فاستنكروا ذلك قائلين لها هذا لا يليق بامرأة ذات مكانة وشأن مثلك، فأرسلوا موفديهم إلى مسيلمة طالبين الصداق فطلب هو بدوره مجيء مؤذنهم فلما حضر قال له مسيلمة أذن في قومك أني مسيلمة النبي أقول لكم لقد رفعت عنكم صلاتين، صلاة الفجر وصلاة العشاء، وهذا كان صداق سُجاح، ومن طريف المواقف مع مسيلمة أنه لما أتت القبائل العربية لتبايع النبي محمد صلى الله عليه وسلم على نبوته.
قدم مسيلمة مع نفر من قومه للبيعة في المدينة فبايعوا إلا مسيلمة فقد قال أريد أن يشركني محمد بالنبوة كما أشرك موسى أخاه هارون، فسمعه النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم فأمسك بعرجون صغير من الأرض، وقال له والله يا مسيلمة لو سألتنى هذا العرجون الصغير لما أعطيتك إياه، والعرجون هو أصل العذق اليابس وقيل فى روايه أن مسيلمة لمّا نزلت به سجاح أغلق الحصن دونها، فقالت له سجاح انزل، قال فنحّي عنك أصحابك، ففعلت، فقال مسيلمة اضربوا لها قبّة، وجمّروها لعلها تذكر الباءة، ففعلوا، فلما دخلت القبّة نزل مسيلمة فقال ليقف هاهنا عشرة، وهاهنا عشرة، ثم دارسها، فقال ما اوحي إليك ؟ فقالت هل تكون النساء يبتدئن، ولكن أنت قُل ما اوحي إليك؟ وإن الروايات تقول إن انتصار خالد بن الوليد.
على تمرد طليحة بن خويلد الأسدى وقضائه على مالك بن نويرة الذي اتبع سجاح ومن ثم هزيمة سجاح وقومها، أمام خالد بن الوليد كان سببا في هروب سجاح إلى العراق فهي من الموصل ولها علاقات بفارس الذين ساعدوها في تجييش الناس لمحاربة الخلافة، وبعد انتصار المسلمين وإحكام قبضتهم على الجزيرة العربية بالكامل فكرت سجاح بالعودة والتوبة وفعلا تابت وحسن إسلامها وتوفيت في عهد الخليفة الأموى معاوية بن أبي سفيان، ولكن هل هذه التوبة تحل الكلام عن كذبها وما دار بينها وبين مسليمة خاصة أن هناك لقاء شهيرا لا يخلو من ابتذال في الحديث كان بينهما؟ فقيل أن الرأى فى ذلك يجوز في المجمل العام، ولا يجوز بسرد التفاصيل التي لم يتفق المؤرخون على صحتها.