أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

عجوز بني إسرائيل

الدكروري يكتب عن عجوز بني إسرائيل ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى

عجوز بني إسرائيل

ونكمل الجزء الثاني مع عجوزعجوز بني إسرائيل، وقيل أنه مر رسول الله صلى الله عليه وسلم يوما بسوق المدينة، والناس مشغولون ببيعهم وشرائهم، فأراد أن يذكرهم بقيمة الدنيا وألا تلهيهم تجارتهم عن تجارة الآخرة، فمرّ بجدي أسكّ ميت، أي صغير الأذنين، فاغتنم الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم الفرصة فتناوله فأخذ بأذنه ورفع صوته يُزاود على بيعه فقال ” أيكم يُحب أن هذا له بدرهم؟ أيكم يُحب أن هذا له بدرهم؟ أيكم يحب أن هذا له بدرهم؟ فقالوا ما نحب أنه لنا بشيء وما نصنع به؟ فقال صلى الله عليه وسلم أتحبون أنه لكم؟ قالوا والله لو كان حيّا كان عيبا فيه لأنه أسك فكيف وهو ميت، فقال صلى الله عليه وسلم فوالله للدنيا أهون على الله من هذا عليكم” رواه مسلم، وعن أبي موسى الأشعري رضي الله عنه قال أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعرابيا فأكرمه، فقال له ” ائتنا ”

فأتاه، فقال له رسول الله صلى الله عليه وسلم ” سل حاجتك ” قال ناقة نركبها، وأعنز يحلبها أهلي، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أعجزتم أن تكونوا مثل عجوز بني إسرائيل؟ ” قالوا يا رسول الله وما عجوز بني إسرائيل؟ فقال صلي الله عليه وسلم ” إن موسى عليه السلام لما سار ببني إسرائيل من مصر ضلوا الطريق، فقال ما هذا؟ فقال علماؤهم إن يوسف عليه السلام لما حضره الموت، أخذ علينا موثقا من الله، أن لا نخرج من مصر حتى ننقل عظامه معنا ” أي بدنه، وهو من باب إطلاق الجزء ويراد به الكل، فالأنبياء لا تأكل الأرض أجسادهم كما صح بذلك الخبر عن خير البشر صلي الله عليه وسلم، قال فمن يعلم موضع قبره؟ قال عجوز من بني إسرائيل، فبعث إليها، فقال نبي الله موسي عليه السلام لها دليني على قبر يوسف، قالت حتى تعطيني حُكمي.

قال وما حكمك؟ قالت أكون معك في الجنة، فكره أن يعطيها ذلك، فأوحى الله إليه أن أعطها حكمها، فانطلقت بهم إلى بحيرة موضع مستنقع ما، فقالت انظبوا هذا الماء، فأنظبوه، فقالت احتفروا، فاحتفروا، فاستخرجوا عظام يوسف، فلما أقلوه إلى الأرض فإذا الطريق مثل ضوء النهار، فهل رأيت الفرق الواسع والبون الشاسع بين من يريد أعنزا يحلبها وناقة يركبها، وبين من تريد مرافقة الرسول في الجنة؟ إنها الهمة العالية، فقط ، فإلى متى يرضى الكثير منا بضعف الهمة، وفتور العزيمة، ويرضى من الغياب بالإياب، ومن الغنيمة بالسلامة؟ وغلي متى نرى في الأمة المسلمة الجم الغفير والعدد الكثير الذين يحملون الهم لضخامة الهمم؟ وصدق رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي يقول ” إنما الناس كإبل مائة، لا تكاد تجد فيها راحلة ” رواه البخاري.

وهذا هو عكاشة بن محصن لما رأى أمامة فرصة لأن يدخل الجنة بغير حساب بادر إلى انتهازها، فلما سمع النبي الكريم صلى الله عليه وسلم يقول يدخل من أمتي سبعون ألفا بغير حساب، قال يا رسول الله ادع الله أن يجعلني منهم، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم أنت منهم، هنا قال آخر ادع الله أن يجعلني منهم، فقال صلي الله عليه وسلم “سبقك بها عكاشة” فترقب للفرصة وانتهاز لها وحرص على الاستفادة الكاملة منها، فلم يكونوا يعرفون ما يتداوله الناس من قتل الوقت وإضاعة الزمن فقد قرأوا قول الله تعالى ” فإذا فرغت فانصب وإلي ربك فارغب” ومعناها بصورة عامة انك إذا انتهيت من أي أعمالك فأقبل على عمل آخر حتى تكون كل أوقاتك عامرة بالأعمال النافعة لك ولأهلك ولبلدك، فإذا فرغت من دنياك فأقبل على آخرتك واعمل على رضا ربك.

ولمّا صعد ابن مسعود رضي الله عنه على شجرة يجتني سواكا لرسول الله صلى الله عليه وسلم وكان دقيق الساقين، فجعلت الريح تكفؤه، فضحك القوم فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “ممّ تضحكون؟ قالوا يا نبي الله، من دقة ساقيه، فقال صلى الله عليه وسلم “والذي نفسي بيده لهما أثقل في الميزان من أحد ” أي من جبل أحد، فاغتنم صلى الله عليه وسلم الفرصة ليبيّن للأمة أن الناس يوم القيامة لا يتفاضلون بأشكالهم وأحجامهم، وإنما بصلاح قلوبهم وأعمالهم، فالله عز وجل لا ينظر إلى الصور والألوان والأشكال، ولكن ينظر إلى القلوب والأعمال، والفرصة مهما كانت ثمرتها بعيدة وظننت أن غيرك سيجني ثمرتها فلا يجوز لك أن تتركها، ومن هنا كان توجيه النبي صلى الله عليه وسلم للمسلمين أن لا يتكاسلوا عن فعل الخير.

وأن لا يفرطوا في عمل نافع حتى ولو كان دنيويا، ولقد سرت هذه الروح عند المسلين الأوائل حيث إنهم كانوا يدركون أهمية الفرص التي تتاح لهم، ويعرفون أنها نعمة يجب أن يحسنوا التعامل معها، ولذلك لما كانت هذه الفرصة تسنح لأحدهم كان ينتهزها ولا يضيعها .