الدكرورى يكتب عن مدعية النبوة سجاح الكاهنة ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مدعية النبوة سجاح الكاهنة ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع مدعية النبوة سجاح الكاهنة، وكان مالك بن نويرة من كبار بني يربوع من بني تميم، وصاحب شرف رفيع وأريحية عالية بين العرب، حتى ضرب به المثل في الشجاعة والكرم والمبادرة إلى إسداء المعروف والأخذ بالملهوف، وكانت له الكلمة النافذة في قبيلته، حتى أنه لما أسلم ورجع إلى قبيلته وأخبرهم بإسلامه، وأعطاهم فكرة عن جوهر هذا الدين الجديد، أسلموا على يديه جميعا ولم يتخلف منهم رجل واحد، وكان قد نال منزلة رفيعة لدى النبى صلى الله عليه وسلم حتى نصبه وكيلا عنه في قبض زكاة قومه كلها، وتقسيمها على الفقراء، وهذا دليل وثقاته واحتياطه وورعه، وكذلك كانت وصية أبي بكر الصديق رضى الله عنه أن يؤذنوا إذا نزلوا منزلا فإن أذن القوم فكفوا عنهم.
وإن لم يؤذنوا فقاتلوهم وإن أجابوكم إلى داعية الإسلام فاسألوهم عن الزكاة فإن أقروا فاقبلوا منهم وإن أبوا فقاتلوهم، فجاءت خيل خالد بن الوليد بمالك بن نويرة في نفر من بني ثعلبة بن يربوع فاختلفت السرية فيهم وكان فيهم أبو قتادة فكان فيمن شهد أنهم قد أذنوا وأقاموا وصلوا فلما اختلفوا أمر بهم فحبسوا في ليلة باردة لا يقوم لها شيء فأمر خالد بن الوليد مناديا فنادى “أدفئوا أسراكم” وهى في لغة قبيلة كنانة القتل وكنانة قبيلة خالد، فظن القوم أنه أراد القتل ولم يرد إلا الدفء فقتلوهم، فقتل ضرار بن الأزور مالكا، وتزوج خالد أم تميم امرأة مالك، وغاية ما يقول العلماء عن قصة مالك بن نويرة أن خالد بن الوليد تأول فأخطأ، لا سيما أن مالك بن نويرة منع الزكاة بعد موت رسول الله صلى الله عليه وسلم.
ومنع قومه من دفع الزكاة إلى أبي بكر الصديق رضى الله عنه، فضلا عن علاقة مشبوهة واضحة تمت بينه وبين سجاح التي ادعت النبوة، ويقول الذهبي فالقوم لهم سوابق وأعمال مكفرة لما وقع بينهم وجهاد محّاء وعبادة ممحّصة ولسنا ممن يغلو في أحد منهم ولا ندعي فيهم العصمة، ويرى البعض أن الروايات الموجودة في السير يجب أن تدقق ويعرف سندها ورواتها، وهذا ماذكره ابن حجر في الإصابة حيث قال وأما أنه تزوج بامرأة مالك بن نويرة، فهذا لايصح، لأن إسناده منقطع، في حين تذكر مراجع أخرى نسخة مختلفة، حيث يقول الواقدى في كتاب “الردة” ثم قدم خالد بن الوليد إلى مالك بن نويرة ليضرب عنقه، فقال مالك أتقتلني وأنا مسلم أصلي القبلة، فقال له خالد لو كنت مسلما لما منعت الزكاة.
ولا أمرت قومك بمنعها، والله لما قلت بما في منامك حتى أقتلك، قال فالتفت مالك بن نويرة إلى امرأته فنظر إليها ثم قال يا خالد، بهذا تقتلنى، فقال خالد بل لله أقتلك برجوعك عن دين الإسلام، وجفلك لإبل الصدقة، وأمرك لقومك بحبس ما يجب عليهم من زكاة أموالهم، قال ثم قدمه خالد فضرب عنقه صبرا، فيقال إن خالد بن الوليد تزوج بامرأة مالك، ودخل بها، وعلى ذلك أجمع أهل العلم” وأما رأى ابن تيمية ثم يقال غاية ما يقال في قصة مالك بن نويرة، إنه كان معصوم الدم، وإن خالدا قتله بتأويل، وهذا لا يبيح قتل خالد، ومعلوم أن خالدا قتل مالك بن نويرة لأنه رآه مرتدا، وبالجملة فنحن لم نعلم أن القضية وقعت على وجه لا يسوغ فيها الاجتهاد, والطعن بمثل ذلك من قول من يتكلم بلا علم.
وهذا مما حرمه الله ورسوله، وكما يقول ابن كثير في “البداية والنهاية” فيقال إن الأسارى باتوا في كبولهم في ليلة باردة شديدة البرد، فنادى منادي خالد أن دافئوا أسراكم، فظن القوم أنه أراد القتل، فقتلوهم، وقتل ضرار بن الأزور مالك بن نويرة، فلما سمع خالد الواعية خرج وقد فرغوا منهم، فقال إذا أراد الله أمرا أصابه، واصطفى خالد امرأة مالك بن نويرة، وهى أم تميم ابنة المنهال، وكانت جميلة، فلما حلت بنى بها ويقال بل استدعى خالد مالك بن نويرة فأنبه على ما صدر منه، من متابعة سجاح، وعلى منعه الزكاة، وقال ألم تعلم أنها قرينة الصلاة؟ فقال مالك إن صاحبكم كان يزعم ذلك، فقال أهو صاحبنا وليس بصاحبك؟ يا ضرار، اضرب عنقه، فضرب عنقه، وأمر برأسه فجعل مع حجرين.