الدكرورى يكتب عن صفية بنت عبد المطلب ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
صفية بنت عبد المطلب ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع صفية بنت عبد المطلب، وفي غزو أحد، فلما وضعت المعركة أوزارها، وقفت السيدة صفية وهي في الستين من عمرها على أخيها حمزة، فوجدته قد بُقر بطنه، وأخرجت كبده، وجُدع أنفه، وثلمت أذناه، وشُوه وجهه، فاستغفرت له وجعلت تقول إن ذلك في الله، ولقد رضيت بقضاء الله، والله لأصبرن، ولأحتسبن إن شاء الله، وعن السيده عائشة رضى الله عنها قالت لما نزلت “وأنذر عشيرتك الأقربين” قام النبي صلى الله عليه وسلم، فقال ” يا فاطمة بنت محمد، يا صفية بنت عبد المطلب، يا بني عبد المطلب، لا أملك لكم من الله شيئا، سلوني من مالي ما شئتم ” ولقد بايع الرسول صلى الله عليه وسلم، الصحابيات على الإسلام وما مسّت يده يد امرأة منهن، وكانت عمته صفية رضي الله عنها معهن، فكان لبيعتها أثر واضح في حياته، بإيمانها بالله ورسوله.
ومعروفها لزوجها، وحفاظها على نفسها، والأمانة والإخلاص في القول والعمل، ولم تكن صفية رضي الله عنها لتنسى قول رسول الله صلى الله عليه وسلم، في أول أيام إسلامها، لما نزل قوله تعالى “وأنذر عشيرتك الأقربين” وقيل أنه زعم هشام بن عروة أن الزبير بن العوام خرج إلى ياسر أخو مرحب، فقالت أمه صفية بنت عبد المطلب يقتل ابني يا رسول الله، قال “بل ابنك يقتله إن شاء الله” فخرج الزبير فالتقيا، فقتله الزبير، وكان من أهم ملامح شخصية صفية بنت عبد المطلب، هو شجاعتها، وتظهر شجاعة السيدة صفية بنت عبد المطلب لما كانت في حصن فارع ورأت يهودي يطوف حول الحصن فنزلت إليه بعمود خيمتها وقتلته، وكان موقف هذه السيدة الجليلة يوم الخندق موقف غريب عجيب بطولي، فكان من عادة النبي صلى الله عليه وسلم.
إذا عزم على غزوة من الغزوات أن يضع النساء والذراري في الحصون، خشية أن يغدر بالمدينة غادر في غيبة حُماتها، فلما كان يوم الخندق جعل نساءه وعمّته معهم، وطائفة من نساء المسلمين، في حصن لحسان بن ثابت، ورثه عن آبائه، وكان من أكثر حصون المدينة مناعة، وأبعدها منالا، وبينما كان المسلمون يرابطون على حواف الخندق، في مواجهة قريش، وأحلافها، وقد شغلوا عن النساء والذراري بمنازلة العدو، فأبصرت صفية بنت عبد المطلب شبحا يتحرك في عتمة الفجر، فأرهفت له السمع، وأحدت إليه البصر، فإذا هو يهودي أقبل على الحصن، وجعل يطوف به، متحسسا أخباره، متجسسا على مَن فيه، فأدركت أنه عين لبني قومه، جاء ليعلم أفي الحصن رجال يدافعون عمن فيه، أم أنه لا يضم بين جدرانه إلا النساء والأطفال ؟
فإذا علم هذا اليهودي المتجسس أن هذا الحصن لا يضم إلا نساء وأطفالا، داهموا هذا الحصن، وسبوا النساء والذراري، فقد نقضوا عهدهم مع النبي صلى الله عليه وسلم، وانتهى الأمر، وصاروا في صف الأعداء من قريش وأحلافها، فقالت في نفسها إن يهود بني قريظة قد نقضوا ما بينهم وما بين رسول الله صلى الله عليه وسلم، من عهد، وظاهروا قريشا وأحلافها على المسلمين، وليس بيننا وبينهم أحد من المسلمين يدفعون عنا، ورسول الله صلى الله عليه وسلم، ومن معه مرابطون في نحور العدو، فإن استطاع عدو الله، هذا اليهودي أن ينقل إلى قومه حقيقة أمرنا سبى اليهود النساء، واسترقوا الذراري، وكانت الطامة على المسلمين، عند ذلك بادرت إلى خمارها، فلفته على رأسها، وعمدت إلى ثيابها فشدتها على وسطها، وأخذت عمودا على عاتقها.
ونزلت إلى باب الحصن، فشقته في أناة وحذق، وجعلت ترقب من خلاله عدو الله في يقظة وحذر، حتى إذا أيقنت أنه غدا في موقف يُمكنها منه، حملت عليه حملة حازمة صارمة، وضربته بالعمود على رأسه، فطرحته أرضا، ثم عززت الضربة الأولى بثانية وثالثة، حتى أجهزت عليه، وأخمدت أنفاسه بين جنبيه، وبادرت إليه ، فاحتزت رأسه بسكين كانت معها، وقذفت بالرأس من أعلى الحصن، فطفق يتدحرج على سفوحه، حتى استقر بين أيدي اليهود، الذين كانوا يتربصون في أسفله، فلما رأى اليهود رأس صاحبهم، قال بعضهم لبعض قد علمنا أن محمدا لم يكن ليترك النساء والأطفال وحدهم، من غير حماة، ثم عادوا أدراجهم، وتوفيت السيده صفية بنت عبد المطلب رضي الله عنها في خلافة عمر بن الخطاب سنة عشرين من الهجره، ولها من العمر ثلاث وسبعون سنة، ودفنت في البقيع.