الدكرورى يكتب عن العماليق فى كتب التاريخ “جزء 7”
بقلم/ محمـــد الدكـــرورى
العماليق فى كتب التاريخ “جزء 7”
ونكمل الجزء السابع مع العماليق فى كتب التاريخ، وتذكر الكتب العربية القديمة ان العماليق دخلوا مصر سلما دون قتال على عكس ما يقوله يوسيفوس فلافيوس, شكل الأموريين العماليق حكام الأسرة الخامسة عشر و الأسرة السادسة عشر، ثم هناك أيضا مسألة جرهم والعماليق أنسباء النبي إسماعيل عليه السلام، وتذكر بعض الروايات أنهم شاركوا في بناء البيت، وهم من العرب العاربة، وربما كانت إجابة التساؤلات في متابعة العرب العاربة، فلنمسك بطرف هذا الخيط ونتتبعه، فقال حمزة الأصفهاني، إن العرب العاربة هي قوم عاد، وثمود، وطسم، وجديس، وعماليق، وعبيل، وأميم، ووبار، ورهط، وجاسم، وقحطان.
بادت ومن بقي منهم أطلق عليهم اسم الأرمان، وقال ابن خلدون إنهم عاد، وثمود، وطسم، وجديس، ثم لا يذكر عماليق، إنما يذكر عبد ضخم وجرهم، إضافة إلى عبيل، وأميم، وحصور، وحضرموت، والسلفات، والعملاق، هو ضخم البناء، وتحكي لنا كتب التراث روايات كثيرة، تطابق هذا المعنى وتشير إليه، وكيف كان الواحد منهم يحمل الصخرة فيرميها على الجيش فيسحقه، وذلك أن هؤلاء القوم، كانوا في هيئات النخل طولا، وكانوا في اتصال الأعمار بحسب ذلك من القدر، وبالعودة إلى منطق البدوي، الذي عاش حياة متفرقة في قبائل متنازعة متصارعة، ولم تجتمع كلمته في وحدة سياسية واحدة إلا نادرا، وحين حدوثها كانت تحدث بين أهل المدر.
وليس بين أهل الوبر، مما جعل هذا البدوي عاجزا عن القيام بالأعمال الكبرى، والمشاريع الضخمة التي تحتاج إلى تكاتف قوى المجتمع الموحد، المنتظم، ومن هنا كان هذا البدوي المرتحل يرى في الأعمال المعمارية الهائلة، التي أقامها جيرانه في مصر والعراق أعمالا إعجازية وعجيبة، وبقي فهمه لها في المأثور العربي عن عجائب الدنيا السبع، ولم يكن وهو في تفرقه القبلي يتصور أن بإمكان البشر العاديين، إقامة شيء كالأهرام أو معابد الكرنك خاصة أن هذه المعابد ذات أبهاء ضخمة وتقوم على أعمدة شاهقة، وأسقف بالغة العلو، مما دفعه إلى تصور أنها قد أنشئت أصلا لتناسب حجم وقامات بُناتها، وهم بذلك ذوو قامات هائلة وأجسام عظيمة الجرم.
وأن هذه المعماريات كي تقام فإنها احتاجت لاريب إلى قوة عضلية لا تتيسر إلا لهؤلاء الضخام الطوال، ومن ثم فلاشك أنهم كانوا عمالقة، لكن حديث التراث العربي، هو عن عمالقة عاشوا في جزيرة العرب ثم بادوا، وهو ما يخالف تفسيرنا، وهنا نتذكر أن العمالقة عند الأصفهاني تستبدل عند ابن خلدون، بالاسم عبد ضخم، وهو ما يشير إلى المعنى ذاته العملقة، مما يدفعنا إلى الظن أن ابن خلدون قد قصد بعبد ضخم ذات مقصد الأصفهاني بالعمالقة، وهنا ننقل القارئ خطوة أخرى على سبيلنا، فنذكره أن الأصفهاني قد قرن بالعمالقة الاسم جرهم أبو الجراهمة، ثم نلقي بأسطع الأضواء على الكشف المأمول، والمتمثل في اسم مصر القديمة بلسانها مجر الذي جاء منه بمرور الزمان الاسم مصر.
وكثيرا ما حدثت في وادي النيل حدثان كبرى، تليق بكبر المجتمع وتتفق مع حجمه وأشكاله الاجتماعية، لعل أهمها الصراع الذي نشأ بين كهان مدينة منف المقدسة وكهان مدينة عين شمس، وانتهت بانتصار كهنة عين شمس واستيلاء كهنتها على عرش البلاد، مع نهاية الأسرة الرابعة الحاكمة في الدولة القديمة، والذي تبعه بالضرورة فرار كهنة منف وأتباع الدين المنفي في هجرة كبرى، ربما اتجهت إلى جزيرة العرب، إضافة إلى ما يعلمه التاريخ عن هجرات مثيلة، اتجهت إلى شرقي المتوسط وعبر بعضها البحر إلى ميسينا وكريت، وربما لم تكن هجرات بالمعنى الدقيق للكلمة، إنما نوع من الهرب الكبير.