الدكرورى يكتب عن الأم نبع الحنان ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأم نبع الحنان ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع الأم نبع الحنان، فيا أماه، دعيني أنظر في وجهك لأرى عقوقي وصبرك , وأنظر في عينيك لأرى جحودي ونكراني وعظيم حلمك, دعيني ألمس يدك لأرى دف عطائك وروعة وصالك, ماذا أقدم لك اليوم لأقر بتقصيرى وعقوقى؟ وماذا اقرأ في كتابي غير جهلى ورحمتك؟ وماذا أرى فيه إلا أسبابا من عطائك وأسبابا من جحودي ؟ أمي هى كلمة تعطر أنفاسي وتملأ خاطري نورا وأمنا , أمي هى كلمة جمعت من كل شيء جماله, ومن كل معنى جلاله, ومن كل وصل وصاله, إنها الرحمة والرّحم، أمى دعيني أنظر إليك لأرى النور الباسم بإشراق نفسك, ودعيني أحلق في السماء بروعة إقبالك واستقبالك, دعينى أقبل يديك وراسك, يا رائحة الشمس وعفو الظل وبر النور, يا باقة الحب يا رواء الروح, يا أبهى عطاء الرب.
فإن كانت الأم حبا فهي أجمله, وإن كانت عطاءا فهي أفضله, وإن كانت احتواء فهي أكمله, فالأم هي الثوب الذي تلبسه فيمنحك الحياة بكل معانيها، إنها الكائن الضعيف الرقيق الذي يتحول إلى بركان ثائر ووحش كاسر إذا مس أولادها مكروه أو أرادهم أحد بسوء، وما أجمل قول من قال وقد أكد المصطفى صلى الله عليه وسلم المنزلة العالية للأمهات وفضل برهن في غير مناسبة، ومن ذلك ما ثبت في الصحيحين عن أبى هريرة رضى الله عنه قال، جاء رجل إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال يا رسول الله من أحق الناس بحسن صحابتى قال أمك، قال ثم من؟ قال ثم أمك، قال ثم من ؟ قال ثم أمك، قال ثم من ؟ قال ثم أبوك ” فإن مقتضى البر بالأمهات مترتب على المعنى الشامل لكلمة البر، فهي كلمة جامعة لخيرى الدنيا والآخرة، وبر الأمهات يعني الإحسان إليهن.
وتوفية حقوقهن، وطاعتهن في أغراضهن في الأمور المندوبة والمباحة، لا في الواجبات والمعاصي، ويكون البر بحسن المعاملة والمعاشرة، وبالصلة والإنفاق، بغير عوض مطلوب، ويدخل في ذلك إيناسهن وإدخال السرور على نفوسهن بالأقوال والأفعال، ولأن الأم ضعيفة بضعف الأنوثة ورقة الحنو وتواضع الشفقة فقد يغتر بعض الأبناء والبنات فتحملهم نفوسهم على تقاصر قدر الأم والاندفاع نحو عقوقها، بخلاف ما يجدونه من المنعة عند الآباء، وفي الصحيحين عن المغيرة بن شعبة قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” إن الله حرم عليكم عقوق الأمهات، ووأد البنات، ومنع وهات، وكره لكم قيل وقال، وكثرة السؤال، وإضاعة المال” وقد قال العلماء أنه لقد خص النبي صلى الله عليه وسلم الأمهات بالذكر وإن كان عقوق الآباء عظيما.
وذلك لأمور منها لأن حرمتهن آكد من حرمة الآباء، ولأن العقوق إليهن أسرع من الآباء، لضعف النساء وتجبر الأولاد عليهن، ولأن أكثر العقوق يقع للأمهات، ولينبه على أن بر الأم مقدم على بر الأب في التلطف والحنو ونحو ذلك، وفى الحديث الشريف المتقدم أن الرسول الكريم صلى الله عليه وسلم قال “من أحق الناس بحسن صحابتي؟ قال أمك، قال ثم من؟ قل أمك، قال ثم من؟ قال أمك، قال ثم من؟ قال أبوك” فلقد أكد رسولنا الكريم صلى الله عليه وسلم على الأم ثلاث مرات والأب مرة واحدة، وذلك لما تعانيه الأم من مشقة وتعب منذ أن تكون حاملا حتى آخر يوم في حياتها ، فهى تضحى من أجل أطفالها وتؤثرهم على نفسها وتسعد لسعادتهم وتحزن لحزنهم وتنام وهى تفكر في أبنائها، وتتعب من أجلهم وكذلك تسهر لإراحتهم.
ولقد وقع التقصير منا في حق الأمهات، حتى شاهدنا وسمعنا الكثير من يترك أمه سنوات عديده ولم يكلمها، وكيف يسيء لها بالكلام السيء ولا يرعها ولا يخدمها، ويغلظ اليها القول، ويعاملها بقسوة، وهذا قطعا مسكين، فضيع الجنة، وهذا من العقوق فاحذر غضب الله عليك، فالأم غالية وعزيزة، فعلى من علم فضلها أن يبادر بكل الطرق بالإحسان اليها ويدخل عليها السرور، ويجنبها ما يحزنها ويتعبها، وأن يسال عنها، ويجلب لها ما تحبه، ألا فليتق الأولاد الله في أمهاتهم، وليقدّروا للأم حقها وبرّها، ولينتهين أقوام عن عقوق أمهاتهم، قبل أن تحل بهم عقوبة الله تعالى وقارعته، ففي الصحيحين يقول النبى الكريم صلى الله عليه وسلم ” إن الله عز وجل حرم عليكم عقوق الأمهات”