الدكرورى يكتب عن الأم نبع الحنان ” جزء 7″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأم نبع الحنان ” جزء 7″
ونكمل الجزء السابع مع الأم نبع الحنان، وقال يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وإن رضاها أطلق لسانه، ثم مات علقمه من يومه فحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بغسله، وكفنه ثم صلى عليه وحضر دفنه، ثم قام صلى الله عليه وسلم على شفير قبره فقال يا معشر المهاجرين والأنصار من فضّل زوجته على أمه فعليه لعنة الله وملائكته والناس أجمعين، لا يقبل الله منه صرفا ولا عدلا إلا أن يتوب إلى الله عز وجل ويحسن إليها ويطلب رضاها فرضا الله في رضاها وسخط الله فى سخطها، وإن القصة في كتاب الكبائر المنسوب إلى الإمام الذهبى، وهو أشبه ما يكون بالموضوعات وأحاديث القصّاص، وقيل هى من قصص لا تثبت، فكيف ترجو توفيقا وقبولا, والله قد أعرض عن العاق, والمصطفى صلى الله عليه وسلم يقول.
“ثلاثة لا ينظر الله إليهم يوم القيامة” وذكر منهم “العاقُ لوالديه” فتذكر أيها المقصر مع والديه ليلة تصبحها بلا أم, وتذكر ساعة تدخل فيها المنزل، فلا تسمع صوتها ولا تبصر رسمها, ولا ترى ثيابها, تذكر يوما تحثو فيه التراب على قبرها, وتذكر يوما تتقبل التعازي بها, هناك ستعرف قدر أمك, هناك ستعرف أي أمر فقدت، وأي باب أوصد عنك, وأي خير حرمت، سل ذلك الذى فقد أمه يخبرك كيف تغير عليه طعم الحياة, حين خلف أمه في المقابر, فلم يجد من بعدها من يسنده ويدعو له ويبث له شكواه, ولن يعرف قدر هذا إلا من عاناه، ألا فعُد اليوم وأرض أمك وأباك, واستدرك ما بقي، وأصلح ما فات, وعاهد نفسك الآن على البر والإحسان مادام في العمر إمكان، وتعالوا لنتأمل سريعا هذه الآيةَ العظيمة التي طالما سمعناها كما جاء فى سورة الإسراء.
” وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا” فانظر كيف قرن حقهما مع حقه سبحانه، ولم يقرن مع حقه أحدا سواهما، وأمر الله عز وجل بالإحسان إليهما، بكل ما تحمله الكلمة من معاني الإحسان قولا وفعلا، ثم خص بعد العموم، فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” وإما يبلغن عندك الكبر أحدهما أو كلاهما فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما ” وهذا نهى عن أدنى أذى لفظي، ولا تنهرهما وهو نهي عن أى مضايقة حركية، وقال عطاء بن أبي رباح “لا تنفض يدك عليهما” ولما نهى عن القول القبيح والفعل القبيح، أمره بالقول الحسن والفعل الحسن، فقال كما جاء فى سورة الإسراء ” وقل لهما قولا كريما ” وقال ابن كثير “أى بمعنى لينا طيبا حسنا، بتأدب وتوقير وتعظيم” وقد أمر الله سبحانه وتعالى بالتواضع لهما.
فقال تعالى كما جاء فى سورة الإسراء ” واخفض لهما جناح الذل من الرحمة ” وختم الأوامر في الآية بالدعاء لهما فقال تعالى ” وقل رب ارحمهما كما ربيانى صغيرا” فإن كان باستطاعتك أن ترى أمك وتجلس معها كل يوم، فافعل، فإن كنت عنها بعيدا فبالاتصال، فإن ذلك من برها وإدخال السرور عليها، اعرض عليها قبل أن تطلب منك، اسألها عن حاجاتها وتفقدها، ادع الله لها، أظهِر السرور بطلبها وبقضاء أمرها، أعطها هدية بين حين وآخر، وأجزل إن كنت موسرا، علمها أمر دينها وما يرفعها عند ربها، قبِل رأسها عند السلام عليها، اصطحب أولادك لزيارتها، اقضِ حاجة بناتها وأبنائها، فإن ذلك يسرها، لا تبث همومك عندها، ففيها ما يكفيها، استشرها وأطلعها على بعض شأنك، أظهِر اهتمامك بإخوانك وأخواتك، فإن رؤيتها لترابطكم يثلج صدرها.
تحدث معها في المواضيع التي تحبها هي، فيقول أحد الدعاة كانت إحدى الأمهات يظهر منها ارتياح أكثر لأحد أبنائها، مع العلم بأنهم كلهم طيبون، فسأله عن سبب ذلك، فقال لأمي مفتاح لم يستخدمه بقية إخوتي، فقال ما هو؟ قال بسيط جدا، أتحدث معها فيما يهمها، فلان تزوج، وفلان رزق ولدا، ومرض فلان فزرته، وهكذا، أما بقية إخوتي، فغالبا يتحدثون عندها في البناء، وفي الأسهم، ونحو ذلك، ولكن اعلم أن أبواب البِر كثيرة، فاحرص على أن تلجها كلها، وافعل ذلك أيضا مع والدك، واغتنم حياتهما، فليس هناك أبلغ من كتاب الله تعالى وهو يصف لنا جزءا من معاناة أمهاتنا حال حملهن بنا وإرضاعهن لنا فيقول الله تعالى كما جاء فى سورة الأحقاف ” ووصينا الإنسان بوالديه إحسانا حملته أمه كرها ووضعته كرها وحمله وفصاله ثلاثون شهرا “