الدكرورى يكتب عن الأم نبع الحنان ” جزء 6″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأم نبع الحنان ” جزء 6″
ونكمل الجزء السادس مع الأم نبع الحنان، وإن سير الصالحين مع الأمهات مآثر تدرس, وأخبار تروى, فحدث عن الوفاء, وعن السمو, وعن البر في أنصع الصور, وأرق المشاعر, قال محمد بن بشر الأسلمي لم يكن أحد بالكوفة أبر بأمه من منصور بن المعتمر وأبى حنيفةَ، وكان منصور يفلى رأس أمه، وكان أبو حنيفة يتصدق عنها بالأموال كل آن، وذلكم الصالح محمد بن المنكدر يقول بات أخي عمر يصلي، وبت أغمز رجل أمى، وما أحب أن ليلتي بليلته، وأما إمام الحديث بندار فقد حُرم الخروج للحديث لأجل أمه, استئذنها فلم تأذن, يقول بعد ذلك فبورك لى في العلم، فكم يأسى المرء اليوم وهو يسمع عن صور من صور العقوق، يندى لذكرها الجبين, قطيعة وبذاءة وتطاول باللسان وربما باليد، تأفف وتضجر، وإظهار للسخط وعدم الرضى.
حتى غدت منزلة الصديق عند الكثير من شباب اليوم أعلى قدرا ومكانة من الوالدين, وحتى قدم البعض رضى زوجاتهم على رضى أمهاتهم وآبائهم, ولربما أبكى أمه في سبيل أن يرقأ دمعة ابنه، والمصيبة تعظم حين تكون من ابن أراه الله نسله ويوشك إن لم يتب أن يرى ذلك العقوق في بنيه, فالبر دين والعقوق كذلك، أهكذا ينتهى الحال بأمك التي حملتك كرها، ووضعتك كرها، ورأت الموت مرات لأجلك, أهذا جزاء والدتك التي أرضعتك وربتك وغذتك ورعتك؟ مسكين أنت أيها العاق، تنام ملء جفنيك، وقد تركت والدين ضعيفين يتجرعان من العقوق غصصا، ونسيت أو تناسيت أنك ممهل لا مهمل، فعاقبة العقوق معجلة لصاحبها فى الدنيا قبل الآخرة، وفي الحديث يقول النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم.
“ما من ذنب أجدر أن يعجل الله لصاحبة العقوبة في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من البغي وقطيعة الرحم” وحكي أنه في زمن النبى الكريم صلى الله عليه وسلم شاب يُسمى علقمة وكان كثير الاجتهاد في طاعة الله في الصلاة والصوم والصدقة فمرض واشتد مرضه فأرسلت امرأته إلى رسول الله أن زوجي علقمة في النزع فأردت أن أعلمك بحاله يا رسول الله، فأرسل النبى صلى الله عليه وسلم عمارا وصهيبا وبلالا، وقال صلى الله عليه وسلم ” امضوا إليه ولقنوه الشهادة” فمضوا عليه ودخلوا عليه فوجدوه في النزع فجعلوا يلقنونه لا إله إلا الله، ولسانه لا ينطق بها فأرسلوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم يخبرونه أنه لا ينطق لسانه بالشهادة، فقال صلى الله عليه وسلم” هل من أبويه أحد حي ؟ قيل يا رسول الله أم كبيرة بالسن، فأرسل إليها رسول الله.
وقال الرسول” قل لها إن قدرت على المسير إلى رسول الله وإلا فقرّي في المنزل حتى يأتيك” فجاء إليها الرسول فأخبرها بقول رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقالت نفسي له الفداء, أنا أحق بإتيانه فتوكأت على عصى وأتت الى رسول الله صلى الله عليه وسلم، فسلمت فرد عليها السلام وقال لها” يا أم علقمة كيف كان حال ولدك علقمة ؟ قالت يا رسول الله كثير الصلاة وكثير الصيام وكثير الصدقة، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم فما حالك ؟ قالت يا رسول الله أنا عليه ساخطة قال صلى الله عليه وسلم ولم ؟ قالت يا رسول الله يؤثر على زوجته ويعصيني، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم إن سخط أم علقمة حجب لسان علقمة من الشهادة، ثم قال صلى الله عليه وسلم يا بلال انطلق واجمع لي حطبا كثيرا، قالت يا رسول الله وما تصنع به ؟
قال صلى الله عليه وسلم احرقه بالنار بين يديك” قالت يا رسول الله ولدى لا يحتمل قلبي أن تحرقه بالنار بين يدي، قال صلى الله عليه وسلم يا أم علقمة عذاب الله أشد وأبقى, فإن سرّك أن يغفر الله فأرضى عنه، فو الذي نفسي بيده لا ينتفع علقمة بصلاته ولا بصدقته مادمت عليه ساخطة” فقالت يا رسول الله إني اشهد الله تعالى وملائكته ومن حضرني من المسلمين أني رضيت عن ولدي علقمة، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم انطلق يا بلال إليه فانظر هل يستطيع أن يقول لا إله إلا الله، أم لا؟ فلعل أم علقمة تكلمت بما ليس في قلبها حياء منة، فانطلق بلال فسمع علقمة من داخل الدار يقول لا إله إلا الله، فدخل بلال وقال يا هؤلاء إن سخط أم علقمة حجب لسانه عن الشهادة وإن رضاها أطلق لسانه، ثم مات علقمه من يومه فحضر رسول الله صلى الله عليه وسلم فأمر بغسله.