الدكرورى يكتب عن الأم نبع الحنان ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الأم نبع الحنان ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع الأم نبع الحنان، وقد كان النبى الكريم صلى الله عليه وسلم حريصا على مخالفة عادات غير المسلمين من أهل الكتاب وغيرهم، حتى قال اليهود في عصر النبى صلى الله عليه وسلم “ما يريد هذا الرجل أن يدع من أمرنا شيئا إلا خالفنا فيه” رواه مسلم، ولذلك نقول إن تقليد غير المسلمين في عادة الاحتفال بيوم الأم لا يوافق المقاصد الشرعية، وليس هناك ما يدعو إليه، فهو من التقليد الأعمى، ولذلك قال القرضاوى، عندما اخترع الغرب عيد الأم قلدناهم في ذلك تقليدا أعمى، ولم نفكر في الأسباب التي جعلت الغرب يبتكر عيد الأم، فالمفكرون الأوربيون وجدوا الأبناء ينسون أمهاتهم ولا يؤدون الرعاية الكاملة لهن فأرادوا أن يجعلوا يوما في السنة ليذكروا الأبناء بأمهاتهم، إن من المعروف بالفعل أن الاحتفال بهذا اليوم يختلف تاريخه وطريقته.
من دولة إلى أخرى ومن أمة إلى أمة، ونحن لا نتكلم عن الاحتفال في هذا التاريخ على وجه الخصوص، بل نتكلم عن أصل الفكرة وأصل الاحتفال بغض النظر عن ما يصطلح عليه الناس في اختيار يوم الاحتفال، وهنا لا بد من لفت النظر إلى أن الاحتفال بيوم الأم على وجه الخصوص قد صار له في السنين المتأخرة ضجة إعلامية ضخمة، ومراسم احتفالية فخمة، حتى إن كثيرا من البلاد يكون عندهم في هذا اليوم عطلة رسمية، فهل بعد ذلك من شك في كون هذا اليوم قد صار عيدا؟ وأين هذا من قول النبى صلى الله عليه وسلم” يوم عرفة ويوم النحر وأيام التشريق عيدنا أهل الإسلام؟” رواه الترمذى، وقال أيضا صلى الله عليه وسلم “إن لكل قوم عيدا وهذا عيدنا” رواه البخارى ومسلم، وقدم النبي صلى الله عليه وسلم المدينة ولهم يومان يلعبون فيهما.
فقال صلى الله عليه وسلم” ما هذان اليومان؟ قالوا كنا نلعب فيهما في الجاهلية، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم” إن الله قد أبدلكم خيرا منهما يوم الأضحى ويوم الفطر” رواه أبو داود والنسائى وأحمد، فلو كان النبي صلى الله عليه وسلم يعلم أنه يشرع للمسلمين أعياد غير هذه الأيام لفتح لأصحابه هذا الباب، فقيل إن أعذب ما تحدثه الشفاه البشرية هو لفظة الأم، وأجمل مناداة هى يا أمى، فهى كلمة صغيرة كبيرة مملوءة بالأمل والحب والانعطاف وكل ما في القلب البشرى من الرقة والحلاوة والعذوبة، فإن الأم هي كل شيء في هذه الحياة، هي التعزية في الحزن، والرجاء في اليأس، والقوة في الضعف، وهي ينبوع الحنو والرأفة والشفقة والغفران، فالذى يفقد أمه يفقد صدرا يسند إليه رأسه، ويدا تباركه، وعينا تحرسه، فكل شيء في الطبيعة يرمز ويتكلم عن الأمومة.
فالشمس هي أم هذه الأرض ترضعها حرارتها وتحتضنها بنورها، ولا تغادرها عند المساء إلا بعد أن تنومها على نغمة أمواج البحر وترنيمة العصافير والسواقى، وهذه الأرض هي أم للأشجار والأزهار تلدها وترضعها ثم تفطمها، والأشجار والأزهار تصير بدورها أمهات حنونات للأثمار الشهية والبذور الحية، وأم كل شيء في الكيان هي الروح الكلية الأزلية الأبدية المملوءة بالجمال والمحبة، وإن لفظة الأم تختبئ في قلوبنا مثلما تختبئ النواة في قلب الأرض، وتنبثق من بين شفاهنا في ساعات الحزن والفرح كما يتصاعد العطر من قلب الوردة في الفضاء الصافي والممطر، وقد مضى ذلك الرجل يقطع الفيافي والقفار, وقد اغبر وجهه، وشعث شعره, وتتابعت أنفاسه, وبلغ به الجهد مبلغه, إذا سار مفازة وقف, وألقى الحمل عن ظهره.
وجعل يلتقط أنفاسه مليا, حتى إذا ما استرد إليه نفسه, وهدأت نفسه حمل حمله على ظهره، وسار ميمما بيت الله الحرام، ولم يكن حمله ذاك زادا ولا طعاما, ولا مالا ولا متاعا, وإنما كان هذا المحمول هى أمه التي ربته, فأحسنت تربيته حتى غدا رجلا بلغ من بره ما رأت، فسار الرجل البار تمتطيه أمه نحو البيت الحرام، فطاف بالبيت سبعا، وهو يقول إنى لها مطية لا تذعر، إذا الركاب نفرت لا تنفر، ما حملت وأرضغتنى أكثر، الله ربى ذة الجلال الأكرم، وبينما هو يطوف إذ رأى الصحابي عبد الله بن عمر رضى الله عنهما، فدنا إليه، وقال يا أبا عبد الرحمن أتراني جازيتها بما فعلت؟ نظر إليه ابن عمر, فرأى وجها شعثا, وجهدا مظنيا, لكن, أنى لابن أن يجزى أما, عندها قال ابن عمر للرجل “لا ولا زفرة واحدة”