أخبار سياسية - اقتصادية - فنية - رياضية - عربية - دولية

الطفل ودور الأسرة ” جزء 9″ 

الدكرورى يكتب عن الطفل ودور الأسرة ” جزء 9″ 

بقلم / محمـــد الدكـــرورى

الطفل ودور الأسرة ” جزء 9″

ونكمل الجزء التاسع مع الطفل ودور الأسرة، ومثل كتب التاريخ الصحيحة البعيدة عن الأهواء، خصوصا تاريخ صدر الإسلام لأن قراءة تاريخ ذلك العصر يزيد القارئ علما بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومحبة لهم، وفقها في الدين وأسرار أحكامه وتشريعاته، وحذورهم من قراءة الكتب الضارة التي تخل بعقيدة الإنسان أو عباداته أو أخلاقه، ومن قراءة الصحف والمجلات الضالة التي تتضمن الشك والتشكيك وإثارة الفتن أو تبحث في أمر من أمور الدين على وجه الخطأ، وإن هناك مقاييس كثيرة هي التي يتزوج الناس على أساسها في زماننا هذا فيختارون الغنية، ويبحثون عن عائلة كبيرة عريقة يتزوجون منها، ويشترطونها ابنة ذي سلطان ومنصب، ويفضلونها موظفة ذات دخل شهري، وحبذا لو كانت لطيفة جذابة منمقة الحديث خفيفة الظل.

وفوق هذا كله أن تكون جميلة ملفتة للأنظار أخاذة للألباب، إلى غيرها من صفات كثيرة تطلب في الزوجة في هذا الزمان، ولو كانت هذه المقاييس في مجتمع بوذي أو يهودي أو مشرك لما تعجبنا فإن من ضل عن ربه وخالقه ليس بعجيب أن يضل في أمر دنياه، ولكن العجب كله والغرابة كلها أن تكون مقاييس اختيار الزوجة هذه سائدة ورائجة في مجتمعاتنا الإسلامية التي تمتلك بين يديها القرآن والسنة كيف كيف وديننا قد جعل لنا الأسس والضوابط في اختيار الزوجة، وأخبرنا أن من اختار على غير أساسها خاسر ضال سيعود بالندم، فعن عبد الله بن عمرو، قال، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم”لا تزوجوا النساء لحسنهن، فعسى حسنهن أن يرديهن، ولا تزوجوهن لأموالهن، فعسى أموالهن أن تطغيهن، ولكن تزوجوهن على الدين، ولأمة خرماء سوداء ذات دين أفضل” رواه ابن ماجه.

وإن قلت لي هذا الحديث ضعيف أجبتك ألا تدري أن النبي صلى الله عليه وسلم دعا على من تزوج امرأة لغير دينها، والحديث هذه المرة في الصحيحين وهو مشهور محفوظ، يرويه أبو هريرة رضي الله عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال “تنكح المرأة لأربع لمالها ولحسبها وجمالها ولدينها، فاظفر بذات الدين، تربت يداك” متفق عليه أي إن لم تفعل، أما سألت نفسك يوما ما معنى “تربت يداك” في هذا الحديث وغيره فلندع ابن حجر العسقلاني يجيبك فيقول “قوله تربت يداك أي افتقرت فامتلأت ترابا، وقيل المراد ضعف عقلك بجهلك بهذا، وقيل افتقرت من العلم” والمعنى تزوج ذات الدين واختر ذات الدين فإن لم تفعل فتربت يداك، وإن لم يقصد النبي صلى الله عليه وسلم نفس الدعاء لأنها كلمة دارجة على ألسنة العرب.

فقد قصد النبي صلى الله عليه وسلم الحث والحض الشديدين على تزوج ذات الدين، وإذا قررنا هذا، فهل نحن بحاجة إلى أن نؤكد أن المسلمة أفضل من المشركة وليس بعد بيان الله سبحانه وتعالى بيان، فسبحانه يقول في سورة البقرة ” ولا تنكحوا المشركات حتي يؤمن ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم” فإن كنا نفضل ونقدم المسلمة المتدينة على المسلمة غير المتدينة، فكيف بالكافرة، وإن الإسلام لا ينكر على المسلم أن يختار زوجة جميلة وغنية ومثقفة ومن عائلة شريفة بشرط ألا يكون هذا هو أول متطلباته وغاية أهدافه وذروة أمنياته في زوجة المستقبل، بل لا بد أن تكون كل هذه الصفات الدنيوية الأرضية في الدرجة الثانية بعد الشرط السماوي الأساسي في الزوجة، وهو أن تكون ذات دين ملتزمة بتعاليمه داعية إليه مصلية متبتلة حافظة للقرآن تالية له عاملة به.

ملتزمة في زيها ومن معاملاتها متزينة بخلق العفة والصيانة والأمانة، ولك أن تقول وماذا لو وجدت من المتدينات الملتزمات بدينهن كثيرات، كيف أفاضل بينهن وكيف اختار منهن؟ وأقول لك لن تجد كثيرات، بل هن قليلات عزيزات ككل شيء غال وثمين في هذه الأرض فإنه نادر، فإن عدت فقلت وماذا لو كان أمامي أكثر من واحدة من ذوات الدين كيف أفاضل بينهن؟ وحتى هذه لم يتركها الإسلام بلا جواب، فبعد شرط الدين، وبعد أن تحصر أيها المقبل على الزواج المتدينات، لك أن تخاير وتفاضل بينهن على الأسس والقواعد التالية في اختيار الزوجة، فالقاعدة الأولى وهي الودود دمثة الخلق أفضل من العصبية الجافية: ولعل هذه مما لا يحتاج إلى دليل، فما بعد الدين إلا الخلق، وإن الحياة قد لا تستقيم مع حادة الطباع متقلبة المزاج وإن كانت متدينة.