الدكرورى يكتب عن الطفل ودور الأسرة ” جزء 8″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الطفل ودور الأسرة ” جزء 8″
ونكمل الجزء الثامن مع الطفل ودور الأسرة، ففي الصحيحين من حديت أبى هريرة رضي الله عنه أنه قال أخذ الحسن بن علي رضي الله عنه تمرة من تمر الصدقة، فجعلها في فِيه، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم “كِخ كِخ ارم بها، أما علمت أنا لا نأكل الصدقة؟” وحينما أتته ابنته فاطمة رضي الله عنها تشتكى مما تلاقيه من عمل المنزل، وتطلب منه خادما يخدمها، أرشدها النبى صلى الله عليه وسلم إلى التسبيح ثلاثا وثلاثين، والتحميد ثلاثا وثلاثين، والتكبير أربعا وثلاثين، تم قال لها ولعلي رضي الله عنهما “هو خير لكما من خادم” رواه مسلم، فلم تدفعه صلى الله عليه وسلم عاطفة الأبوة إلى تلبية طلب ابنته بل أرشدها إلى ما فيه صلاحها دنيا وأخرى، وهذا منتهى الرحمة عند مَن يؤمن بالله واليوم الآخر، وفي الحديث الصحيح الذي رواه أبو يعلى وغيره
يقول رسول الله صلى الله عليه وسلم “الولد ثمرة القلب، وإنه مجبنة مبخلة محزنة” فالصبي أمانة في عنق والديه يسألان عنه في عرصات القيامة، وقلبه الطاهر جوهرة نقية، خالية من كل نقش وصورة، فهو قابل لكل ما ينقش فيه ويغرس، ومستعد للتوجه به إلى أى جهة كما قال صلى الله عليه وسلم فى الحديث الصحيح “كل مولود يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه، أو يمجسانه، أو ينصرانه” فهل يرعى الأبوان، وهل يرعى المربون هذه الفطرة؟ وهل يوجهانها نحو الكمال؟ ألا وإن من شكر نعمة الله عليكم فيهم أن تقوموا بما أوجب الله عليكم من رعايتهم وتأديبهم بأحسن الأخلاق والأعمال فيا أيها الآباء قوا أهليكم النار بفتح أبواب الخير لهم وتوجيههم إليها وتشجيعهم عليها، بينوا لهم الحق ومنافعه ومروهم به وبينوا لهم الباطل ومضاره وحذروهم عنه.
فإنكم رعاة عليهم وكل راع مسؤول عن رعيته، فمن قام بحسن رعايته فيهم أفلح ونجا، ومن فرط في رعايته فيهم خسر وهلك، عرفوهم بأصول الإيمان وهي الإيمان بالله وملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر والقدر خيره وشره، ألزموهم بأركان الإسلام وهي شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمدا رسول الله وإقام الصلاة وإيتاء الزكاة وصوم رمضان وحج البيت الحرام، مروهم بالصلاة لسبع واضربوهم عليها لعشر، علموهم كيف يتطهرون وكيف يصلون وماذا يقولون في صلاتهم وما يفعلون وماذا يجتنبون ويتركون، اغرسوا في قلوبهم محبة الله وتعظيمه، وبينوا نعم الله الظاهرة والباطنة العامة والخاصة، لترسخ في قلوبهم محبة الله وذكر آلائه ونعمه، واغرسوا في قلوبهم كذلك محبة النبي صلى الله عليه وسلم وبينوا ما حصل على يديه من الخير العظيم لأمته.
وأنه صلى الله عليه وسلم الإمام المطاع الذي يجب تقديم محبته وأمره على جميع المخلوقين، بينوا لهم أخلاق النبي صلى الله عليه وسلم وأخلاق أصحابه الكريمة وما قاموا به من العبادات الجليلة والأعمال العظيمة حتى نصر الله بهم الإسلام وأقام بهم الدين، فإنهم هم العظماء النبلاء الذين حازوا قصب السبق في أعمال الدنيا والآخرة وقادوا الناس إلى الخير فانقادوا إلى ذلك برغبة صادقة، لما نظر الناس إلى أحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه وأعمالهم عرفوا أنهم على الحق وأن طريقتهم هي الطريقة المثلى التي يقوم عليها أمر الآخرة والدنيا فدخلوا في دين الله أفواجا من غير إكراه، علموا أولادكم الصدق بالقول والفعل، فإذا حدثتموهم فلا تكذبوا عليهم وإذا وعدتموهم فلا تخلفوا وعدكم فيروى عن النبي صلى الله عليه وسلم.
“أن من قال لصبي تعال هاك ثم لم يعطه فهي كذبة” وإن أولادكم إذا رأوكم تكذبون هان عليهم الكذب وإذا رأوكم تخلفون الموعد هان عليهم الإخلاف، عودوهم الإحسان إلى الخلق وفعل المروءة وحذروهم من الاعتداء والظلم، اغرسوا في قلوبهم محبة المؤمنين، وبينوا أن المؤمن للمؤمن كالبنيان يشد بعضه بعضا وأن الواجب على المسلمين أن يكونوا أمة واحدة ليشبوا على الألفة والمحبة والاتحاد، ومن كان من أولادكم يستطيع القراءة فحثوه على قراءة الكتب النافعة مثل كتب التفسير القيمة لمعاني القرآن، ومثل كتب الحديث الصحيحة عن النبي صلى الله عليه وسلم، ومثل كتب التاريخ الصحيحة البعيدة عن الأهواء، خصوصا تاريخ صدر الإسلام لأن قراءة تاريخ ذلك العصر يزيد القارئ علما بأحوال النبي صلى الله عليه وسلم وأصحابه ومحبة لهم.