الدكرورى يكتب عن الطفل ودور الأسرة ” جزء 3″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
عن الطفل ودور الأسرة ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع الطفل ودور الأسرة، وقيل أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يخطب ذات يوم، فجاء الحسن والحسين رضي الله عنهما عليهما قميصانِ أحمران، يمشيان ويعثران، فنزل رسول الله صلى الله عليه وسلم من المنبر، فحملهما فوضعهما بين يديه، ثم قال “صدق الله ورسوله إنما أموالكم وأولادكم فتنة، رأيت هذين يمشيان ويعثران في قميصيهما، فلم أصبر حتى قطعت حديثي ورفعتهما” ثم أخذ فى خطبته صلى الله عليه وسلم، فمحبة الذرية كغيرها من المشتهيات، تارة تكون ممدوحة، وتارة تكون مذمومة، والأشياء بمآلها وآثارها، فالممدوحة ما تؤول إلى خير، وتفضي إلى نفع، والمذمومة ما تؤول إلى شر، وتفضي إلى ضرر، فمحبة الذرية، والرحمة بهم، والشفقة عليهم مطلوبة، لكن ليس على حساب الدين، وإن محبتهم لا تقتضي إهمال تربيتهم.
وإغفال شؤونهم، والسنة مليئة بما يحث على حب الذرية ورحمتهم، كما أنها مليئة بما يجب به إحسان تربيتهم، وتقويم خُلقهم، ففي الحديث الصحيح الذي رواه النسائي والحاكم عن بعض الصحابة رضي الله عنهم أنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم في إحدى صلاتي العشي، الظهر أو العصر، وهو حامل حسن أو حسين، فتقدم النبي صلى الله عليه وسلم فوضعه عند قدمه اليمنى، ثم كبّر للصلاة، فصلى فسجد بين ظهراني صلاته سجدة أطالها، فرفعت رأسي من بين الناس، فإذا الصبي على الرسول صلى الله عليه وسلم وهو ساجد، فرجعت إلى السجود، فلما قضى رسول الله صلى الله عليه وسلم الصلاةَ، قال الناس يا رسول الله، إنك سجدت بين ظهراني صلاتك سجدة أطلتها، حتى ظننا أنه قد حدث أمر، وأنه قد يوحى إليك.
قال “كل ذلك لم يكن، ولكن ابني ارتحلنى، أى اتخذني راحلة بالركوب على ظهرى، فكرهت أن أعجله حتى يقضي حاجته” وروى البخارى عن أبي هريرة رضي الله عنه أنه قال قبّل رسول الله الحسن بن علي رضي الله عنهما وعنده الأقرع بن حابس التميمى جالسا، فقال الأقرع إن لي عشرة من الولد ما قبّلت منهم أحدا، فنظر رسول الله صلى الله عليه وسلم إليه، ثم قال “من لا يَرحم لا يُرحم” وفي رواية عن السيدة عائشة رضي الله عنها أنها قالت جاء أعرابي إلى النبى صلى الله عليه وسلم فقال “أتقبّلون صبيانكم فما نقبّلهم؟ فقال النبي صلى الله عليه وسلم ” أو أملك أن نزع الله من قلبك الرحمه” وفى الصحيحين عن عمر رضي الله عنه أنه قال قدم على الرسول صلى الله غلبه وسلم بسبى، فإذا امرأة من السبي تسعى، إذ وجدت صبي في السبي.
فأخذته فألصقته ببطنها فأرضعته، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ” أترون هذه المرأة طارحة ولدها في النار؟ فقلنا لا والله، فقال صلى الله عليه وسلم” الله أرحم بعباده من هذه المرأة بولدها” وروى البخارى عن أنس بن مالك رضي الله عنه قال جاءت امرأة إلى السيدة عائشةَ رضي الله عنها ومعها صبيانِ، فأعطتها عائشة رضي الله عنها ثلاث تمرات، فأعطت كل صبي لها تمرة، وأمسكت لنفسها تمرة، فأكل الصبيّان التمرتين، ونظرا إلى أمهما، فعمدت الأم إلى التمرة فشقتها، فأعطت كل صبي نصف تمرة، فجاء النبي صلى الله عليه وسلم فأخبرته السيدة عائشة رضي الله عنها فقال صلى الله عليه وسلم “وما يعجبك في ذلك؟ لقد رحمها الله برحمتها صبيّيها” وكلنا يرى ما أودعه الله في قلوب الأبوين من الرحمة للولد، حتى في البهائم.
وهذا ليس بمستغرب إنما الذي يستغرب أن يفرط زمام هذه المحبة لدى الوالدين حتى يعود بالضرر على الولد، ولقد تفاقم الوضع وتعاظم الأمر وتطاير الشرر عندما تخلى الآباء عن مسؤولية التربية الصحيحة وأهملوا الإلمام بأسس العناية السليمة فليست التربية عنف كلها ولا رخو جلها بل شدة فى غير عنف ولين فى غير ضعف هكذا هي التربية، أما أن يعتقد أب أو تظن أم أن التربية تكبيل بالسلاسل وضرب بالحديد والمناشير وسجن في غرفة مظلمة مدلهمة، فيخرج لنا جيل تسيل دماؤه، وتنتفخ أوداجه يخاف من خياله ويهرب من ظله ويغضب ويثور لأتفه الأسباب، فيكن العداء لأمته، والبغضاء لوطنه، فليس ذلك بمطلوب ولا مرغوب، ألا فاعلموا أيها الناس أن شريعة الإسلام لم تأتي بمثل هذا العنف والجبروت والهجية والعنجهية.