الدكرورى يتكلم عن السنة النبوية الشريفة ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــروري
السنة النبوية الشريفة ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع السنة النبوية الشريفة، فهذا عبدالرحمن بن عوف، قال لسعد بن الربيع دلني على السوق، إنها دعوة للتميز والاستقلالية لا التبعية للآخرين، حتى أن النبي صلى الله عليه وسلم قرر مع بدايات هجرته ببناء سوق للمسلمين، بديلا عن سوق اليهود، لئلا يكون تبعا لهم، وأن يكون متميزا في معاملته التجارية بما يتناسب وشريعة الإسلام، وكما يقول الشيخ الشعراوي رحمه الله من لم يكن طعامه من فأسه، فلن يكون قراره من رأسه، وإن الناظر في القرآن المجيد يكتشف أن الإسلام قد اهتم بالبذل والعطاء للبشرية والمجتمعات، وحفز الهمم نحو الإنتاج والتنمية بكافة نواحيها، لا سيما التنمية الاقتصادية، القائمة على الاستثمار، استثمار الجهود، والطاقات، والأموال، والماده الخام، كما حدث في نموذج ذي القرنين حين أتى قوما سلبيين لا يعملون ولا يتحركون.
فحرك هممهم، ووظف طاقاتهم، وعلمهم أن بالتعاون والتشارك تبنى الأمم وتحصّن من أي عدو غاشم، فبنى السد بينهم وبين يأجوج ومأجوج، وكم في هذه القصة من الدروس والعبر، ففيها حُسن استخدام الإمكانات المتاحة، وحُسن توظيف الطاقات البشرية قبل المادية، وضرورة وجود إدارة متعاونة لا مستبدة، والعمل على إيجاد فرصة للتعبير والتحرك للمصلحة العامة، ويبقى العمل مع الإنسان إلى آخر لحظة في حياته، فمهما كانت ظروف الدنيا فلا أقل من العمل والعطاء والبذل والاجتهاد، وإنها دعوة لحُسن استغلال كل المواد الخام وتوظيفها بطريقة ترفع قدر الأمة والمجتمع الإسلامي، وكما يقول الشيخ الغزالي رحمه الله الناس رجلان، رجل نام في النور، ورجل استيقظ في الظلام، وهو نموذج لمن استغل كل ما تحت يديه، وآخر نام في النور الذي يملكه.
فلا بد من بث الأمل، وتثقيف الناس جميعا بأن من وراء الشدة يأتي الفرج القريب، وأن مع العُسر يأتي اليُسر، وتلك هي رسالة كل الأنبياء والرسل، وهذه رسالة لكل ولي أمر ولكل إنسان أن يعمل على بث الأمل مهما كانت الظروف المظلمة، وكما يقول بعضهم لن تكون قمرا منيرا إلا إذا أحاطتك الظلمة من كل مكان، ويقول تعالى لنبيه موسى وهو في مصر حفظها الله ” وأوحينا إلى موسى وأخيه أن تبؤا لقومكما بمصر بيوتا واجعلوا بيوتكم قبلة وأقيموا الصلاة وبشر المؤمنين” فأمره ربه ببث الأمان بجعل بيوت المصريين قبلة لمن أراد الأمان، وأمره كذلك ببث البشرى والأمل، ومن بث الأمل إزالة الضرر عن الناس في المجتمع، فالمسلم الحقيقي هو من سلم الناس من لسانه وأذاه، أقول هذا الكلام لأن الأمم لا تبنى باليأس، ولا تتقدم بالتشاؤم، ولا تنافس غيرها.
ببث الخوف والرعب بين المنسوبين أو الزائرين للمجتمع، وأيضا بناء منظومة القيم والأخلاق، وإنه لا شك أن للقيم أهمية في بناء المجتمعات والأمم، وأي أمة تتنازل عن قيمها وأخلاقياتها لا تستمر ولا تدوم، وإذا دامت فترة لا يكتب لها الخلود، ويعيش النبي الكريم صلي الله عليه وسلم في الفقر صبورا متماسكا محتسبا, وقد عاش فترة من حياته فقيرا, لا يجد كسرة الخبز من البر, يبحث عن التمر فلا يجد التمر, يأتيه الملك من السماء بمفاتيح كنوز الدنيا فيقول “أتريد أن أحول لك الجبال ذهبا وفضة؟ قال لا، بل أجوع يوما وأشبع يوما حتى ألقى الله” وهو صلي الله عليه وسلم يعيش فقيرا، لا يجد فراشا حتى يثنيه ثنيتين، ثنية واحدة, ينام على الخصف فيؤثر في جنبه, ويدخل عليه صلي الله عليه وسلم عمر بن الخطاب رضي الله عنه.
فيجد سعف النخل قد أثر في جنبه صلي الله عليه وسلم، فيبكي عمر بن الخطاب، وتسيل دموعه ويهتز، فيقول له صلي الله عليه وسلم “ما لك يا عمر؟ قال يا رسول الله كسرى وقيصر ملوك فارس والروم وهم أعداء الله، يعيشون في ذهب وفضة وحرير وديباج وأنت حبيب الله تعيش في هذه الحالة؟ فيقول صلي الله عليه وسلم يابن الخطاب أفي شك أنت؟ أما ترضى أن تكون لهم الدنيا ولنا الآخرة؟ قال بلى” وعن أنس رضي الله عنه قال “كان النبي صلى الله عليه وسلم من احسن الناس خلقا، فأرسلني يوما لحاجة، فقلت له والله لا أذهب وفي نفسي أن أذهب لما أمرني به صلى الله عليه وسلم فخرجت حتى أمر على صبيان وهم يلعبون في السوق، فإذا النبي صلى الله عليه وسلم قد قبض بقفاي من ورائي، فنظرت إليه وهو يضحك فقال يا أنس أذهبت حيث أمرتك؟ قلت نعم، أنا أذهب يا رسول الله فذهبت” رواه مسلم وأبو داود.