الدكرورى يتكلم عن كان خلقه القرآن ” جزء 5″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
كان خلقه القرآن ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع كان خلقه القرآن، وقد روي أنه صلى الله عليه وسلم وضع ركبته لتضع عليها زوجه صفية رضي الله عنها رجلها حتى تركب على بعيرها” رواه البخاري، ومن دلائل شدة احترامه وحبه لزوجته خديجة رضي الله عنها، إن كان ليذبح الشاة ثم يهديها إلى خلائلها صديقاتها، وذلك بعد مماتها وقد أقرت عائشة رضي الله عنها بأنها كانت تغير من هذا المسلك منه” رواه البخاري، فإن الرسول صلى الله عليه وسلم قد هاجر من مكة إلى المدينة، ولم يكن هناك دولة فأقام دولته في المدينة على ثلاثة أسس رئيسة، الأساس الأول وهو المسجد والأساس الثاني وهو المؤاخاة بين المهاجرين والأنصار، والأساس الثالث وهو المعاهدات بين المسلمين وغير المسلمين، وهنا وقفة لماذا ركز النبي صلي الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاث.
مع أن في الإسلام أسسا غيرها كثيرة ؟ وهو أن هذه الأسس الثلاث هي أساس بناء الدول، وربط للصلة من جوانبها الثلاثة، فالمسجد ليربط صلة وعلاقة العبد بربه، والمؤاخاة بين المهاجرين والأنصار لتربط علاقة المسلم بأخيه المسلم، والمعاهدات بين المسلمين وغيرهم لتربط علاقة المسلم بغير المسلم، فإذا كانت علاقة المسلم بربه قوية وإيمانه عميق وذلك من خلال المسجد، وكانت علاقة المسلم بأخيه المسلم قائمة على التعاون والإيثار والمحبة والتشارك وكانت علاقة المسلم بغير المسلم قائمة على التعايش السلمي والتسامح؛، فلا شك أننا نبني وطنا قويا متماسك الأركان والبنيان يشد بعضه بعضا إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الأعضاء بالسهر والحمى، ولهذه الأسباب كان تركيز النبي صلى الله عليه وسلم على هذه الأسس الثلاثة في بناء الدولة الإسلامية.
وإن المتأمل إلى كل العوامل التى قامت عليها الحضارات والأوطان يجد أن النبي صلى الله عليه وسلم جمعها في هذه الأسس الثلاث فمنها تتفرع وإليها ترجع وتعود، وإن من العوامل القوية التي اعتمد عليها الرسول الكريم محمد صلى الله عليه وسلم في بناء الحضارت، هو بناء الإنسان أولا فإنه مقدّم على بناء العمران فى عقيدة والإيمان، وبناء الإنسان يأتي من البناء العقدي والإيماني الصحيح لا المغشوش، فهناك تدين مغشوش، تدين الدروشة، فهو تديّن المصلحة، وتدين الظروف، وتدين التلون، وتدين القشور والمظهر لا اللباب والمخبر، وكذلك أيضا بناء الإنسان تعبديا حيث تصحيح مفهوم العبادة في حياة الإنسان، والعمل على بنائه أخلاقيا وقيميا، وكذلك بناء وحدة الصف المجتمعي لا تقسيمه وتشتيته والتصالح لا التنازع.
فإن المجتمع الذي يتمزق فيه عُرى الأخوة والوحدة يكون عُرضة للعنف والشتات والتدخل الخارجي فلا بد من وحدة الصف بين أبناء المجتمع الواحد كما فعل النبي صلى الله عليه وسلم في أول قدومه إلى المدينة الطيبة، فقد آخى بين المسلم والمسلم أخوة إنسانية ووطنية وإسلامية، كما آخى بين المسلم وغير المسلم أخوة إنسانية ووطنية، فاستطاع صلى الله عليه وسلم أن يحفظ الوطن في أول عهد تأسيسه، فيقول الله تعالى فى سورة آل عمران ” واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا” وكما قال البعض عن الإسلام إنه إسلام يقيم المجتمع على أواصر الإخاء والوحدة بين أبنائه، فلا مكان فيه لصراع الأجناس، ولا لصراع الأديان، ولا لصراع الطبقات، ولا لصراع المذاهب، فالناس كلهم أخوة، تجمع بينهم العبودية لله، والبنوة لآدم “إن ربكم واحد، وإن أباكم واحد”
واختلافهم واقع بمشيئة الله تعالى وحكمته، وهو يفصل بينهم يوم القيامة، فيما كانوا فيه يختلفون” فإنه يتفق الناس على القواسم المشتركة، ويتعاونوا من خلالها، وإن اختلفوا في أمور أخرى، وإن رفعة الأمم وتقدمها مربوط بحجم عطاء وعمل أبناء الشعوب والأوطان في تلك الأرض، ولا ننسى ما فعله ذو القرنين من تغيير ثقافة شعب كسول خامل عن العمل، كما ورد في سورة الكهف، وماذا كانت نتيجة حركتهم وبذلهم وعطائهم ولقد عنيت آيات الكتاب المجيد بذكر ما أمر الله به في نصوصه المقدسة الراقية، ومن بين الأوامر قوله تعالى فى سورة التوبة ” وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهاده فينبئكم بما كنتم تعملون” وتلك القيمة توفرت وبقوة مع أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم.