الدكرورى يتكلم عن كان خلقه القرآن ” جزء 3″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
كان خلقه القرآن ” جزء 3″
ونكمل الجزء الثالث مع كان خلقه القرآن، ومن كمال الدين إرشاد الغير ونصحه، فقال صلى الله عليه وسلم” الدين النصيحة ” وبهذا المنهج الالهي تسمو النفس الإنسانية إلى الكمال، حيث لا يقتصر الإنسان على أداء الأمور الواجبة عليه فحسب، بل يحاول ما استطاع أن يسعد ذويه واخوانه ويبث بينهم سعادة الإيمان وحلاوته، فيوجه النصح النافع والرشد الناجح، والناظر إلى نعم الله تعالى التي أنعم بها على الإنسان يرى نفسه عاجزا كل العجز أن يحيط بها لا يعجز عن إدراك الكثير منها أو عن إدراك جوانب العظمة فيها فهي تبدأ من مطلع نشأته وفجر خلقته، فقد خلق الله تعالى الإنسان في أحسن تقويم، فجعل له عينين يبصر بهما، ولسانا يترجم به عما يريد، وشفتين يستعين بهما على النطق وعلى الغذاء، وهداه النجدين طريق الخير وطريق الشر.
ووجه سبحانه إلى عمل الخير وإلى شكر ربه سبحانه على ما أولاه من النعم السابغة، ومن لم يؤد حق ربه في نعمه، ولم يشكره عليها، فقد تعرض إلى سبل الخسران والبوار، لأن شكران المنعم على الفضل ينمي النعمة، ويستدر عليها أرباح الدنيا وأرباح الدين فيقول تعالي “لئن شكرتم لأزيدنكم” وربح الدنيا المادي يكون شكره بالرحمة والاحسان والتعاطف والتواصل الذي تتفجر به ينابيع الرحمة الدافقة في قلوب المحسنين في يوم ذي مسغبة، وربح الدين الأخروي يتمثل شكره في صدق الولاء لله في السراء وفي الضراء، وفي بذل النصحية للمسلمين تواصيا بالصبر وبالرحمة، ويجب علينا ان ننظر الى الخلق العظيم للنبي صلى الله عليه وسلم فقد بيّن الله عز وجل، خلق رسوله الكريم صلى الله عليه وسلم وأثنى عليه في مواطن عديدة، وأوضح الله سبحانه وتعالى.
وجوب التأسي بنبيه والاقتداء بخلقه العظيم، وأن الاخلاق من غير الاخلاص لا وزن لها ولا قيمة، ولا أثر لها ولا نتيجة، فهي تصبح جوفاء لأنها لم يقصد بها وجه الله وإنما قصد بها سواه، وحقيقة الاخلاص هو التبري عن كل ما دون الله تعالى ومعنى هذا أن كل عمل يصدر عن المسلم يكون لوجه الله سبحانه وتعالى بعيدا عن كل ما دونه حتى سكناته وحركاته، وظاهره وباطنه كل ذلك يكون في مرضاة الله تعالى، والاخلاص هو أن يكون سكون العبد وحركاته لله تعالى خاصة وهذه العبارة جامعة وافية بالمقصود، والاخلاص صدق النية مع الله تعالى، والاخلاص في ضوء القرآن الكريم تتحدد ملامحه بأن تكون العبادة خالصة لله وحده وأن يكون كل ما يصدر عن الإنسان مقصودا به وجه الله تعالى ويقول الله تعالى مخاطبا رسوله صلى الله عليه وسلم.
“إنا أنزلنا اليك الكتاب بالحق فاعبد الله مخلصا له الدين ألا لله الدين الخالص” ومعلوم أن خطاب الرسول صلى الله عليه وسلم هو خطاب لامته كذلك ولكن تأكيدا لأمر الاخلاص فقد جاء الامر عاما في قول الله تعالى “فادعوا الله مخلصين له الدين ولو كره الكافرون” وقد أشار الله سبحانه إلى العبادة على أساس من الاخلاص وإلى إقامة الصلاة وايتاء الزكاة بأن ذلك هو دين الملة القيمة، وقال تعالى “وما أمروا إلا ليعبدوا الله مخلصين له الدين حنفاء ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة وذلك دين القيمة” وبينت الأية مقام الاخلاص بالنسبة للحق وللخلق، كما وضحت أن الاخلاص والعمل قرينان لا ينفصلان فتبين أنه لابد من الاخلاص في قوله “مخلصين” ولابد من العمل في قوله “ويقيموا الصلاة ويؤتوا الزكاة” أما عن الاخلاص في ضوء السنة الشريفة فأول ما ننظر إليه.
هو ما روي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول “إنما الاعمال بالنيات وإنما لكل امريء ما نوى، فمن كان هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله ومن كانت هجرته إلى دنيا يصيبها أو إلى امرأة ينكحها فهجرته إلى ما هاجر إليه” وفي هذا الحديث يرسي الرسول صلى الله عليه وسلم قاعدتين من أهم القواعد الإسلامية احداهما هي الأساس الذي يقوم عليه كل عمل وثانيهما جزاء كل عامل ولذا كان هذا الحديث من الاحاديث المهمة التي تقوم عليها أصول الإسلام، ولهذا كان المنهج السديد في إصلاح الناس وتقويم سلوكهم، وتيسير سُبل الحياة الطيبة لهم أن يبدأ المصلحون بإصلاح النفوس وتزكيتها، وغرس معاني الأخلاق الجيدة فيها، ولهذا أكد الإسلام على إصلاح النفوس.