الدكرورى يتكلم عن كان خلقه القرآن ” جزء 2″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
كان خلقه القرآن ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع كان خلقه القرآن، وكلما ارتفعت السبابة تقول لا إله إلا الله, وكلما استغفر المستغفر، وكلما تاب التائب، وكلما عاد المنيب إلى الله تعالي ذكرنا محمدا صلي الله عليه وسلم، ويكرر القرآن الكريم ذكر هذا الرجل صلي الله عليه وسلم الذي هو رجل يأكل ويشرب، وينام ويستيقظ, رجل لكن لا كالرجال, رجل ولكنه يحمل هموم الرجال وعظمة الرجال كل الرجال, وإنسان ولكن لا كالناس, إنسان يجمع مناقب الإنسانية، يتحدث عنه القرآن، فإذا هو الخلوق القريب من القلوب، فيقول تعالي ” وإنك لعلي خلق عظيم” فمن الذي زكاه؟ ومن الذي مدحه وأعلاه؟ فإنه الله عز وجل الذي مدحه، فإن المثل الأعلى للأفراد هو الشرف والنزاهة، والاستعلاء على الهوى والشهوة، وعرفان الحق والواجب، والاستمساك بأهداف الفضيلة.
والاندماج في جو روحي خالص بعيد عن نقائص المادة، وشوائب الروح، والمثل العلى للجماعة هي التعاون، والإيثار، والتضحية، وإنكار الذات، والمحبة والمودة، والصدق والإخلاص، والأمانة، والوفاء، والتسامح، وسلامة الصدر، والحديث عن الاخلاق في رحاب السنة هو بيان لما جاء في القرآن الكريم، لأن السنة مبينة للقرآن وقد كان خلق الرسول صلى الله عليه وسلم القرآن، وإن مشيئة الحق تبارك وتعالى قضت أن تلقى السماء بالأمانة الالهية، وان تختم الرسالات بآخر رسول يكون خاتم النبيين يتمم مكارم الاخلاق، ويخرج بالبشر من بين أسوار ليل متجهم، وجهالة مطبقة، ووثنية محدقة، وإلى واحة فجر مترعرع على ضفافة كل فضائل الخير، فيعطر الوجود عبيره، ويمنح الحياة رشده، ويخرج الناس من الظلمات إلى النور
وصدق الله العظيم إذ يقول “لقد جاءكم رسول من أنفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رءوف رحيم” وعلى يده تمت المكارم فعاش العالم في ظل أيامه وقد وجد الحق الذي افتقده والعدل الذي غاب عنه، والفضائل التي دفنت تحت وطأة الظلام، فاستعادت الحياة رشدها ويقينها، وبدأت في ظل إيمانها، وما أفاء عليها من سعادة وإشراق ترى الوجود بمنظار على هدي خاتم النبيين صلوات الله وسلامه عليه، وصدق الله إذ يقول ” ما كان محمد أبا أحد من رجالكم ولكن رسول الله وخاتم النبيين وكان الله بكل شيء عليما” ولقد أتاه وفد بني تميم فطرقوا عليه الباب فقالوا اخرج إلينا يا محمد، فإن مدحنا زين وذمنا شين, فقال صلي الله عليه وسلم ذاك هو الله الذي مدحه زين وذمه شين, ويذكر الله عز وجل رحمة رسوله صلي الله عليه وسلم.
وشفقة مبعوثه وحنانه, فيقول سبحانه وتعالي عنه ” بالمؤمنين رؤوف رحيم” وإذا هو اللين السهل الميسر فقال تعالى ” فبما رحمة من الله لنت لهم” أي كنت قريبا تعيش في القلوب، وتعيش في الأرواح, يحبك الناس جميعا سواء من أهل الجزيرة، أو خارجها، والعجم يوم يسلمون، والشقر يوم يؤمنون، والحمر يوم يهتدون, كلهم يحبونك لأنك إمامهم، فإنه الإمام الذي على الأمة فكل الأمة تتأسي لإمامته في الصلاة وفي الحياة وفي التربية وفي الأخلاق وفي الاقتصاد وفي علم النفس وفي العسكرية وفي السلم، وفي الحرب، فقد قال تعالي قي سورة الأحزاب ” لقد كان لكم في رسول الله أسوة حسنة لمن كان يرجوا الله واليوم الآخر وذكر الله كثيرا” ومن فضل الله ورعايته للرسول صلى الله عليه وسلم أن منحه خصائص تميزت بها شخصيته الكاملة.
وتمتعت على ضوئها حياة الناس، ونعم الجو الإسلامي بما ساد فيه من دفء الإيمان وراحة اليقين، وقد أبرز هذه الخصائص في حديثه الشريف عن أبي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال ” فضلت على الأنبياء بست أعطيت جوامع الكلم ونصرت بالرعب، وأحلت لي الغنائم، وجعلت لي الأرض مسجدا وطهورا، وأرسلت إلى الخلق كافة، وختم بي النبيون” وإن من أمهات الاخلاق في الإسلام هى النصيحه، وفوق إنها دعوة للخير وارشاد للغير فهي عبادة من أسمى العبادات، فإن المقصود بالعبادة جانبان، الجانب الأولي وهو شكر الله تعالى على نعمه الجليلة، والجانب الثاني وهو مواصلة السعي إلى سعادة الإنسان وربحه دنيا وآخره، ومن كمال الدين إرشاد الغير ونصحه، فقال صلى الله عليه وسلم” الدين النصيحة “