الدكرورى يتكلم عن كان خلقه القرآن ” جزء 1″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
كان خلقه القرآن ” جزء 1″
إن القرآن الكريم هو أصل الأخلاق الإسلامية الحميدة، وإن الإسلام يربط بين القول والعمل والقيمة والسلوك، والأخلاق في الإسلام قاسم مشترك على مختلف أوجه الحياة، وغاية الأخلاق في الإسلام هو التقوى، الذي يجعل أداء العمل الطيب واجبا محتما ويجعل تجنب العمل الضار واجبا محتما، ويجعل الخوف من الله أقوى، فالقيم الأساسية في الإسلام ثابتة لا تتغير لأنها صالحة لكل زمان ومكان وإن الأخلاق والعقيدة والشريعة ليست من صنع الإنسان ولذلك فهي قائمة على الزمان ما بقي الزمان على اختلاف البيئات والعصور وإن الحق سيظل هو الحق لا يتغير، ولذلك فإن أبرز قواعد الإسلام هو ثبات القيم وبالتالي ثبات الأخلاق، وإن الالتزام الخلقي هو قانون أساسي يمثل المحور الذي تدور حوله القيم الأخلاقية.
فإذا زالت فكرة الالتزام قضي على جوهر الهدف الأخلاقي، ذلك انه إذا انعدم الالتزام انعدمت المسؤولية وإذا انعدمت المسؤولية ضاع كل أمل في وضع الحق في نصابه، والإسلام يحمل قواعد نظرية أخلاقية متكاملة تقود إلى الفضائل في أحسن ما تكون عليه، وهذا ينبع من غاية رسالة الإسلام التي هي رحمة للعالمين، وقيل في قوله تعالي في سورة الأنبياء” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” أنه لم يقل للناس فقط فيخرج الحيوانات, ولم يقل للمؤمنين فقط فيخرج الكفار, ولم يقل رحمة للكبار فقط فيخرج الصغار, ولم يقل للصغار فقط فيخرج الكبار، بل قال تعالي ” وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين” ولكن يعيش صلي الله عليه وسلم معنا دائما وأبدا، في مشاعرنا وآمالنا وطموحاتنا, يعيش معنا في بسماتنا وفي دموعنا.
وفي عيوننا وفي أسماعنا، وفي أبصارنا وفي قلوبنا, يعيش معنا دائما ونحن نراه دائما، قدوة وأسوة وإماما ومعلما, وأبا ومرشدا, وقائدا وأستاذا, يعيش معنا وقد أحببناه فعاش في ضمائرنا عظيما, وفي قلوبنا رحيما, وفي عيوننا آمرا وناهيا, وفي آذننا مبشرا ومنذرا، فيقول الله تعالى في سورة الأحزاب ” يا أيها النبي إنا أرسلناك شاهدا ومبشرا ونذيرا، وداعيا إلي الله بإذنه وسراجا منيرا” وقد جاء الخطاب من الله تعالى إلى النبي محمد صلى الله عليه وهو من كانت سيرته سنة يقتدى بها، وتؤكد كتب السيرة انه لم يكن لبشر ما كان للنبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم من الأخلاق، فقد كان أحسن الناس خلقا وأكثرهم محبة ورأفة ورحمة، وكل ذلك نلمحه في ضوء العبارة البليغة التي قالتها السيدة خديجة بنت خويلد عندما رجع رسول الله صلى الله عليه وسلم يرجف فؤاده.
ودخل عليها وقال ” زملوني زملوني” فزملوه حتى ذهب عنه الروع، فقال لخديجة وأخبرها الخبر ” لقد خشيت على نفسي” فقالت له خديجة كلا والله ما يخزيك الله أبدا، إنك لتصل الرحم، وتحمل الكل وتكسب المعدوم، وتقري الضيف، وتعين على نوائب الحق ” فالسيدة خديجة رضوان الله عليها عندما استشفت روحها الأمر العلوي وأبصرت أضواء الوحي الإلهي رقراقة على جبين الرسول صلوات الله وسلامه عليه، طبقت ذلك على أحواله النابضة بكل مكرمة ومعروف، فرأت أن الكل إنما ينبع من مشكاة واحدة ، فأصدرت حكمها بأن الله لا يخزيه أبدا، وأقسمت على ذلك وأردفت القسم بالدليل المطابق الذي يتضمن جميع مكارم الاخلاق، ولقد تمثلت أعظم المكارم وأسماها في الرسول صلى الله عليه وسلم فانبعثت من نفسه الشريفة عظمة الاخلاق المشرفة.
ووصفه ربه بقوله ” وإنك لعلى خلق عظيم” وتحدث هو بنعمة الله عليه بقوله ” أدبني ربي فأحسن تأديبي” كما شرحت السيدة عائشة رضوان الله عليها ماهية الخلق النبوي في إيجاز ودقة إذ تقول “كان خلقه القرآن” والقرآن هو كلام الله العزيز الحكيم، فكأن كل فضيلة حض عليها، وكل صفة حميدة دعا إليها، قد اتصف بها الرسول صلوات الله وسلامه عليه وهي تتركز في صفات مثلى وأسماء حسنى اتصف بها العلي القدير سبحانه والحديث عن الاخلاق في ذروتها وفي القدوة الحسنة فيها، هو حديث عن الرسول الكريم صلى عليه وسلم فيما يتصل بسلوكه وأفعاله وأقواله، وهذا هو محمد رسول الله صلي الله عليه وسلم كلما أذن المؤذنون، وكلما أفطر الصائمون، وكلما سجد المصلون، وكلما أحرم الحجاج والمعتمرون، ذكرنا محمدا صلي الله عليه وسلم.