الدكروري يكتب مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع مقياس الرجولة عن البشر، وبينما أبو بكر الصديق وعلي بن أبي طالب رضى الله عنهما يتجاذبان اطراف الحديث اذا بالامين جبريل عليه السلام يهبط على رسول الله صلي الله عليه وسلم، ويقول له يا رسول الله ان ابا بكر وعليا واقفان ببابك فقم اليهم” فقام رسول الله صلى الله عليه وسلم اليهما و جعل ابا بكر رضي الله عنه عن يمينه وعليا رضي الله عنه من الجهة الاخرى ودخل بهما الى بيته وقال لهما “هكذا نحشر يوم القيامة” وعن أبي إسحاق قال سأل رجل البراء رضي الله عنه، فقال يا أبا عمارة أوليتم يوم حنين؟ قال البراء وأنا أسمع أما رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يُولي يومئذ، كان أبو سفيان بن الحارث آخذا بعنان بغلته، فلما غشيه المشركون نزل، فجعل يقول “أنا النبي لا كَذب، أنا ابن عبدالمطلب”
وكذلك فهناك الآثار التي تدل على شهامة المصطفى صلى الله عليه وسلم، وعن عبدالرحمن بن عوف قال إني لفي الصف يوم بدر إذ التفت فإذا عن يميني وعن يساري فتيان حديثا السن، فكأني لم آمن بمكانهما إذ قال لي أحدهما سرا من صاحبه يا عم، أرني أبا جهل، فقلت يا بن أخي، وما تصنع به؟ قال عاهدت الله إن رأيته أن أقتله، أو أموت دونه، فقال لي الآخر سرا من صاحبه مثله، فما سرني أني بين رجلين مكانهما، فأشرت لهما إليه، فشدا عليه مثل الصقرين حتى ضرباه، وهما ابنا عفراء” وقال ابن حجر، قوله الصقرين، شبههما به لما اشتهر عنه من الشجاعة، والشهامة، والإقدام على الصيد، ولأنه إذا تشبث بشيء لم يفارقه حتى يأخذه” وقيل أنه طلب الخليفة عمر بن الخطاب رضي الله عنه من أهل حمص أن يكتبوا له أسماء الفقراء والمساكين بحمص.
ليعطيهم نصيبهم من بيت مال المسلمين، وعندما وردت الأسماء للخليفة فوجيء بوجود اسم حاكم حمص سعيد بن عامر، موجود بين أسماء الفقراء، وعندها تعجب الخليفة من أن يكون واليا لحمص ومن فقرائها فسأل أهل حمص عن سبب فقره، فأجابوه أنه ينفق جميع راتبه على الفقراء و المساكين و يقول ماذا أفعل وقد أصبحت مسؤولا عنهم أمام الله تعالى؟ وعندما سألهم الخليفة هل تعيبون شيئا عليه؟ أجابوا نعيب عليه ثلاثا فهو لا يخرج إلينا إلا وقت الضحى، ولا نراه ليلا أبدا ويحتجب علينا يوما في الاسبوع وعندما سأل الخليفة سعيد عن هذه العيوب أجابه هذا حق يا أمير المؤمنين، أما الأسباب وهي أني لا أخرج إلا وقت الضحى ؟ لأني لا أخرج إلا بعد أن أفرغ من حاجة أهلي و خدمتهم فأنا لا خادم لي و امرأتي مريضة، وأما احتجابي عنهم ليلا.
لأني جعلت النهار لقضاء حوائجهم والليل جعلته لعبادة ربي، وأما احتجابي يوما في الاسبوع لأني أغسل فيه ثوبي و أنتظره ليجف لأني لا أملك ثوبا غيره، فبكى أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه، فكانت هذه هي مدرسه النبي صل الله عليه وسلم ربت جيل يخاف الله ويراقبه في كل افعاله، وعن أسلم مولى عمر بن الخطاب رضي الله عنه قال خرجت مع عمر بن الخطاب رضي الله عنه إلى السوق، فلحقَت عمر امرأة شابة، فقالت يا أمير المؤمنين، هلك زوجي وترك صبية صغارا، والله ما ينضجون كراعا، ولا لهم زرع ولا ضرع، وخشيت أن تأكلهم الضّبع، وأنا بنت خفاف بن إيماء الغفاري، وقد شهد أبي الحديبية مع النبي صلى الله عليه وسلم، فوقف معها عمر ولم يمضي، ثم قال مرحبا بنسب قريب، ثم انصرف إلى بعير ظهير كان مربوطا في الدار.
فحمل عليه غرارتين ملأهما طعاما، وحمل بينهما نفقة وثيابا، ثم ناولها بخطامه، ثم قال اقتاديه، فلن يفنى حتى يأتيكم الله بخير، فقال رجل يا أمير المؤمنين، أكثرت لها؟ قال عمر ثكلتك أمك، والله إني لأرى أبا هذه وأخاها، قد حاصرا حصنا زمانا فافتتحاه، ثم أصبحنا نستفيء سهمانهما فيه” وإن الله عز وجل تعبدنا بالآداب، وجعل عليها ثوابا عظيما، فإنها إن كانت تربط بين الناس وتجعل علاقاتهم حسنى، فهي في الآخرة أعظم وأجزل ثوابا، وهي سبب في دخول الجنة، فسبحانه وتعالي يقول ” فإن الله لا يضيع أجر المحسنين” والأدب ثلاثة أنواع، هو أدب مع الله سبحانه، وأدب مع رسول الله صلى الله عليه وسلم وشرعه، وأدب مع الخلق، فأما الأدب مع الله عز وجل، فيكون بالحياء منه سبحانه، وتعظيم أمره ونهيه، والوقوف عند حدوده والإقبال عليه وحده رغبا ورهبا وخوفا وطمعا.