الدكروري يكتب مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع مقياس الرجولة عن البشر، وإن الإسلام دين يحفظ للإنسان كرامته، فينهى عن الغيبة والنميمة والتحاسد والتباغض والاحتقار، وسوء الظن فإنه دين عظيم، فالإسلام دين لا يعرف الغدر، فقيل في عصر الخليفة الراشد عمر بن العزيز رضي الله عنه عند فتح سمرقند على يد قائد عظيم قتيبة بن مسلم، بدأت المحاكمة؟ ونادى الغلام ياقتيبة هكذا بلا لقب، وهو القائد الفاتح العظيم فجاء قتيبة وجلس هو وكبير الكهنة أمام القاضي جميعهم، وقال القاضي ما دعواك يا سمرقندي؟ قال اجتاحنا قتيبة بجيشه، ولم يدعنا إلى الإسلام ويمهلنا حتى ننظر في أمرنا فالتفت القاضي إلى قتيبة وقال وما تقول في هذا يا قتيبة؟ فقال قتيبة الحرب خدعة، وهذا بلد عظيم، وكل البلدان من حوله كانوا يقاومون ولم يدخلوا الإسلام ولم يقبلوا بالجزية.
فقال القاضي يا قتيبة هل دعوتهم للإسلام أو الجزية أو الحرب؟ فقال قتيبة لا إنما باغتناهم لما ذكرت لك، فقال القاضي أراك قد أقررت، وإذا أقر المدعى عليه انتهت المحاكمة، يا قتيبة ما نصر الله هذه الأمة إلا بالدين واجتناب الغدر وإقامة العدلـ ثم قال قضينا بإخراج جميع المسلمين من أرض سمرقند من حكام وجيوش ورجال وأطفال ونساء، وأن تترك الدكاكين والدور، وأن لا يبقى في سمرقند أحد، على أن ينذرهم المسلمون بعد ذلك، فلم يُصدق الكهنة ما شاهدوه وسمعوه فلا شهود ولا أدلة، ولم تدم المحاكمة إلا دقائق معدودة، ولم يشعروا إلا والقاضي والغلام وقتيبة ينصرفون أمامهم وبعد ساعات قليلة سمع أهل سمرقند بجلبة تعلو وأصوات ترتفع وغبار يعمّ الجنبات، ورايات تلوح خلال الغبار، فسألوا، فقيل لهم إن الحكم قد نفذ وأن الجيش قد انسحب.
في مشهد تقشعر منه جلود الذين شاهدوه أو سمعوا به، وما إن غربت شمس ذلك اليوم إلا والكلاب تتجول بطرق سمرقند الخالية، وصوت بكاء يُسمع في كل بيت على خروج تلك الأمة العادلة الرحيمة من بلدهم، ولم يتمالك الكهنة وأهل سمرقند أنفسهم لساعات أكثر، حتى خرجوا أفواجا، وكبير الكهنة أمامهم باتجاه معسكر المسلمين وهم يرددون شهادة أن لا إله إلا الله محمد رسول الله، ويحكي ان كان هناك تاجر دمشقي يعيش في العصر العباسي، وكان هذا التاجر دائما يتحدي الجميع قائلا انا لم اخسر يوما في تجارة دخلتها في حياتها، نجحت في جميع اعمالي ولم اخسر ولا مرة، كان اصدقائه يسخرون من كلماته قائلين كيف لك ان لا تخسر يوما في حياتك ولا حتي مرة واحدة ؟ فطلب منهم التاجر أن يقدموا له تحديا عظيما وصعبا حتي يثبت لهم صحة كلامه.
ففكر اصدقائه قليلا ثم قالوا له إنه لمن المستحيل أن تبيع تمرا في العراق وتربح في هذه التجارة وذلك لأن التمر هناك متوفر مثل التراب في الصحراء، فلا يمكنك بيعه هناك مهما حدث، فقبل التاجر التحدي قائلا قبلت التحدي، ثم قال هذا التاجر بشراء تمرا مستوردا من العراق ثم اتجه الي عاصمة الخلافة العباسية في ذلك الوقت، ويحكي أنه في نفس هذا الوقت كان الواثق بالله ذاهبا في نزهة الي مدينة الموصل وكانت الموصل من اجمل المدن التي تقع شمال العراق، تتمتع بطبيعة خلابة وجو رائع ولذلك اطلق عليها اسم ام الربيعين، وخلال عودته من الرحلة ضاعت قلادة ابنته واخذت تبكي بشدة علي فقدانها فقرر الواثق بالله ان يقدم مكافأة عظيمة لمن سيعثر علي قلادة ابنته ويعيدها إليها وهي الزواج من ابنة الخليفة وبالفعل بدأ جميع سكان بغداد.
بالبحث عن هذه القلادة الثمينة، وصل تاجر التمر الدمشقي الي مشارف بغداد، وتفاجئ بالناس يبحثون مثل المجانين عن القلادة، فسألهم عن الامر فحكوا له القصة كاملة وقال كبيرهم واسفاه لقد نسينا أن ناخذ زادا ولا نستطيع العودة خوفا أن يسبقونا بقية العالم فأخذ يضرب كفا بكف، حيث كانوا في مكان مقفر في الصحراء بلا ماء ولا طعام، فقال لهم التاجر الدمشقي انا سوف ابيعكم تمرا، فاشتري منه القوم التمر باغلي الاثمان، وهكذا فاز التاجر بالتحدي وتمكن من بين التمر بالعراق، تناقل الناس حكايته حتي وصلت الي مسامع الواثق بالله فتعجب من هذا الامر بشدة وطلب مقابلته وعندما رآه سأله عن حكايته، قال له التاجر يا مولاي أدام الله عزك إنني من يوم مارست التجارة لم اخسر ابدا، ازداد تعجب الواثق بالله وسأله عن السبب فأجابه التاجر ؟؟