الدكروري يكتب مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
مقياس الرجولة عند البشر ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع مقياس الرجولة عن البشر، قالت وردّ بنو عبدالأسد إليّ عند ذلك ابني، قالت فارتحلت بعيري ثم أخذت ابني فوضعته في حجري، ثم خرجت أريد زوجي بالمدينة، قالت وما معي أحد من خلق الله، قالت، قلت أتبلغ بمن لقيت حتى أقدم على زوجي، حتى إذا كنت بالتنعيم لقيت عثمان بن طلحة بن أبي طلحة أخا بني عبدالدار، فقال أين يا بنت أبي أمية؟ قالت أريد زوجي بالمدينة، قال أوما معك أحد؟ قلت لا والله إلا الله وابني هذا، قال والله ما لك من مترك، فأخذ بخطام البعير فانطلق معي يهوي به، فوالله ما صحبت رجلا من العرب قط أرى أنه كان أكرم منه، كان إذا بلغ المنزل أناخ بي ثم استأخر عني، حتى إذا نزلنا استأخر ببعيري فحط عنه، ثم قيده في الشجرة، ثم تنحى إلى شجرة فاضطجع تحتها.
فإذا دنا الرواح قام إلى بعيري فقدمه فرحله، ثم استأخر عني، فقال اركبي، فإذا ركبت فاستويت على بعيري أتى فأخذ بخطامه فقاد بي حتى ينزل بي، فلم يزل يصنع ذلك بي حتى أقدمني المدينة، فلما نظر إلى قرية بني عمرو بن عوف بقباء قال زوجك في هذه القرية وكان أبو سلمة بها نازلا، فادخليها على بركة الله، ثم انصرف راجعا إلى مكة، قال وكانت تقول ما أعلم أهل بيت في الإسلام أصابهم ما أصاب آل أبي سلمة، وما رأيت صاحبا قط كان أكرم من عثمان بن طلحة” فمَن منا لم يسمع بكلمة نخوة، فإذا حصلت مصيبة قال فلان أنا أعين أصحاب تلك المصيبة على مصيبتهم، فيجيبه رفيقه والله إنك فعلا رجل عندك نخوة، وإذا ما تقاعس فلان آخر من الناس عن مساعدة أناس هو قادر على مساعدتهم قيل له أليس عندك نخوة يا رجل؟
عيب أن تقف مكتوف اليدين فلا تساعدهم، فما المعنى اللغوي الدقيق لكلمة نخوة؟ والنخوة على أكثر الأقوال رجوحا عند أهل اللغة مختصة بالرجال دون النساء، فهي تعتبر من تمام الرجولة، بل قد يعتبرها الكثيرون أنها هي ميزان الرجولة، فالنخوة هي كل ما تحمله النفس من طبائع حميدة تحمل صاحبها على أفضل الأخلاق وأحسن العادات وأطيب الكلام، وهي تؤدب صاحبها بكل أدب رفيع، وهي أيضا هبته لنصرة كل حق، النخوة هي مقياس الرجولة عند الكثير من شعوب الأرض، ولذا خص بها الرجال دون النساء، وهي خُلق عربي أصيل منذ فجر التاريخ، وقد حث الدين الإسلامي الحنيف على كل خُلق كريم، وكلما زادت أخلاق المرء وعاداته الطيبة زادت نخوته، فالنخوة هي التطبيق العملي حين الحاجة لما هو مخزون في النفس من صلاح في الأخلاق.
وإن اختصاص النخوة بالرجال إنما هو اختصاص لقصد الملازمة بين التطبيق العملي حين الحاجة وبين أن يكون المطبق رجلا، حيث إنه يفترض بالرجل أن يكون أكثر جرأة وأعلى صوتا وأبلغ حجة وأقوى عضلا وأشد شكيمة، وهذا لبنية خَلقه، فاختصاصها بالرجال لقصد الملازمة، ولكن لا يعني ذلك عدم وجود تلك الصفات الحميدة من عدم السكوت على الظلم والنصرة للحق وغيرها في الإناث، ولكن لأن طريق الأنثى في التعبير يكون ألطف من الرجل وسبيلها غير سبيله، فلذلك قال العرب “رجل ذو نخوة” ولقد ذكرت النخوة والشهامة في القرآن الكريم، وردت صفة النخوة في القرآن الكريم في سورة القصص في حادثة سقيا النبي موسى عليه السلام لمواشي فتاتين قدمتا إلى دلو ماء، فسقى لهما سيدنا موسى، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال.
ولم يهن عليه أن تعافر النسوة الرجال أو أن ينتظرن حتى ينتهي الرجال من الشرب، بل تحركت فيه المروءة والنخوة وساعدهما على تحقيق مطلبهما، فقال الله تعالى في سورة القصص ” ولما ورد ماء مدين وجد علية أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتي يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير، فسقي لهما ثم تولي إلي الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير” ونجد ان نبى الله موسى، تحركت فيه عوامل الشهامة والرجولة، وسقى لهما، وأدلى بدلوه بين دلاء الرجال حتى شربت ماشيتهما، وعن أنس بن مالك رضي الله عنه قال “كان رسول الله صلى الله عليه وسلم أحسن الناس، وأجود الناس، وأشجع الناس، قال وقد فزع أهل المدينة ليلة سمعوا صوتا، قال فتلقاهم النبي صلى الله عليه وسلم على فرس لأبي طلحة عُري.