الدكرورى يكتب عن نبي الله عيسي علية السلام ” جزء 12″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
نبي الله عيسي علية السلام ” جزء 12″
ونكمل الجزء الثاني عشر مع نبي الله عيسي عليه السلام، وحياة الناس لا تصلح ولا تستقيم إن لم يكن لهم منهج يسيرون عليه وحدود يقفون عندها فانظر إلى من يفترون على الله الكذب, ويقولون على الله غير الحق، فقال الله تعالى فى سورة البقرة ” فويل للذين يكتبون الكتاب بأيديهم ثم يقولون هذا من عند الله ليشتروا به ثمنا قليلا فويل لهم مما كتبت أيديهم وويل لهم مما يكسبون” وقد أخذ الله على النصارى الأخذ على عيسى والعمل بما جاء به , فبدلوا وحرفوا فاختلفوا ثم أعرضوا، فعاقبهم الله بالعداوة والبغضاء في الدنيا وبالعذاب في الآخرة كما قال تعالى فى سورة المائدة ” ومن الذين قالوا إنا نصارى أخذنا ميثاقهم فنسوا حظا مما ذكروا به فأغرينا بينهم العداوة والبغضاء إلى يوم القيامة وسوف ينبئهم الله بما كانوا يصنعون” وسيقف رسول الله عيسى عليه السلام.
يوم القيامة أمام رب العالمين فيسأله على رؤوس الأشهاد ماذا قال لبني إسرائيل كما قال سبحانه فى سورة المائدة ” وإذ قال الله يا عيسى ابن مريم أأنت قلت للناس اتخذوني وأمي إلهين من دون الله قال سبحانك ما يكون لي أن أقول ما ليس لي بحق إن كنت قلته فقد علمته تعلم ما في نفسي ولا أعلم ما في نفسك إنك أنت علام الغيوب، ما قلت لهم إلا ما أمرتني به أن اعبدوا الله ربي وربكم وكنت عليهم شهيدا ما دمت فيهم فلما توفيتني كنت أنت الرقيب عليهم وأنت على كل شيء شهيد، إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم” وقد جعل الله في أتباع عيسى والمؤمنين رأفة ورحمة وهم أقرب مودة لأتباع رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم، من غيرهم، كما قال تعالى فى سورة المائدة.
” لتجدن أشد الناس عداوة للذين آمنوا اليهود والذين أشركوا ولتجدن أقربهم مودة للذين آمنوا الذين قالوا إنا نصارى ذلك بأن منهم قسيسين ورهبانا وأنهم لا يستكبرون” ورسول الله عيسى ابن مريم هو آخر أنبياء بني إسرائيل ثم بعث الله بعده رسوله محمد صلى الله عليه وسلم، وهو من نسل نبى الله إسماعيل عليه السلام إلى الناس كافة، وهو آخر الأنبياء والمرسلين، ولقد كانت السيدة مريم العذراء قد وُلدت عليها السّلام لأم وأب تقيّين مؤمنين بالله تعالى، فحين حملت أم مريم بابنتها دعت الله سبحانه وتعالى أن يحمي ما في بطنها، ثم نذرته لوجه الله عز وجل، ليكون خادما للدين وعابدا موحّدا، لكن الأم زوجة عمران عندما وضعت ما في بطنها تفاجأت بأنها أنثى، فترددت لأنها نذرت ما في بطنها لله تعالى، لأن طبيعة الأنثى مختلفة عن الذكر في بعض الظروف.
لكنها توجهت لله سبحانه وتعالى بالدعاء بأن يحميها وذريتها من شر الشيطان ورجسه، ثم قامت بالبحث عمن يكفلها لدين الله وتوحيده، فاقترع بنو إسرائيل لاختيار من يكفلها، وكان الكل يريد ذلك الشرف حتى خرج سهم نبي الله زكريا عليه السلام، في كفالتها وهو زوج خالتها، فمكثت مريم عليها السلام في كفالته، وقام زكريا عليه السلام بتربية مريم تربيةً صالحة ورعاها بتقديم ما يلزمها، وأسكنها في محرابه، فأتتها كرامات من الله سبحانه وتعالى حتى تعجب زكريا عليه السلام من ذلك، فكان يغيب عنها ثم يعود يجد عندها فاكهة فى غير موسمها، حيث كان يجد في الشتاء فاكهة الصيف، وفى الصيف فاكهة الشتاء، وذلك تكريما من الله تعالى لمريم عليها السلام، حيث قال الله تعالى.
” فتقبلها ربها بقبول حسن وأنبتها نباتا حسنا وكفلها زكريا كلما دخل عليها زكريا المحراب وجد عندها رزقا قال يا مريم أنى لك هذا قالت هو من عند الله إن الله يرزق من يشاء بغير حساب ” وبقيت السيدة مريم عليها السلام على حال الصلاح والعبادة والنسك حتى شاء الله أن تبتعد عن قومها للعبادة والتفكر فى خلق الله تعالى وقدرته، فاتخذت جهة المشرق مكانا لتعبّدها، وحينها أرسل الله سبحانه وتعالى لها جبريل عليه السلام في صورة إنسان مكتمل، فخافت منه وفزعت، واستجارت بالله تعالى، منه، فطمأنها جبريل عليه السلام، وأخبرها أنها ستلد ولدا سيكون عبدا لله تعالى دون أن يمسها أي رجل، فتعجبت عجبا شديدا فذكرها جبريل بقدرة الله على أن يرزقها الولد دون أن يكون له أب، وبعد أن بشّر جبريل عليه السلام السيدة مريم بأنها ستكون العذراء التي ستلد نبي الله عيسى عليه السلام غادرها.