الدكرورى يكتب عن نبي الله عيسي علية السلام ” جزء 5″
بقلم / محمــــد الدكــــرورى
نبي الله عيسي علية السلام ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع نبي الله عيسي عليه السلام، وكانت المعجزة الثانية هو انه عليه السلام يبرئ الأكمه والأبرص فيشفى بإذن الله تعالى، وكانت المعجزة الثالثة هو أنه يحيي الموتى بإذن الله، وكانت المعجزة الرابعة هو أنه يخبرهم بما في بيوتهم، ومن هنا يقول ابن كثير رحمه الله ” وأحيي الموتى بإذن الله ” فقد قال كثير من العلماء، أنه بعث الله تعالى كل نبي من الأنبياء بمعجزة تناسب أهل زمانه، فكان الغالب على زمان نبى الله موسى عليه السلام، هو السحر وتعظيم السحرة، فبعثه الله بمعجزة بهرت الأبصار وحيرت كل سحار، فلما استيقنوا أنها من عند العظيم الجبار انقادوا للإسلام، وصاروا من الأبرار، وأما نبى الله عيسى عليه السلام، فبعث في زمن الأطباء وأصحاب علم الطبيعة، فجاءهم من الآيات بما لا سبيل لأحد إليه، إلا أن يكون مؤيدا من الذي شرع الشريعة.
فمن أين للطبيب قدرة على إحياء الجماد، أو على مداواة الأكمه، والأبرص، وبعث من هو في قبره رهين إلى يوم التناد؟ وكذلك النبى الكريم محمد صلى الله عليه وسلم، فقد بعثه الله عز وجل، في زمن الفصحاء والبلغاء ونحارير الشعراء، فأتاهم بكتاب من الله عز وجل، لو اجتمعت الإنس والجن على أن يأتوا بمثله، أو بعشر سور من مثله، أو بسورة من مثله لم يستطيعوا أبدا، ولو كان بعضهم لبعض ظهيرا، وما ذاك إلا لأن كلام الرب لا يشبهه كلام الخلق أبدا، وكانت من معجزات نبى الله عيسى عليه السلام أيضا هو إنزال المائدة، ويصور لنا الله تعالى هذا المشهد فى كتابه العزيز فى سورة المائدة فيقول تعالى ” إذ قال الحواريون يا عيسى ابن مريم هل يستطيع ربك أن ينزل علينا مائدة من السماء قال اتقوا الله إن كنتم مؤمنين، قالوا نريد أن نأكل منها وتطمئن قلوبنا ونعلم أن قد صدقتنا ونكون عليها من الشاهدين، قال عيسى ابن مريم اللهم ربنا أنزل علينا مائدة من السماء تكون لنا عيدا لأولنا وآخرنا وآية منك وارزقنا وأنت خير الرازقين، قال الله إنى منزلها عليكم فمن يكفر بعد منكم فإنى أعذبه عذابا لا أعذبه أحدا من العالمين ”
وإن المقصود هنا بكلمة الاستطاعة، مع أن الطلب صادر من الحواريين وهم مؤمنون يعلمون أن الله قادر على كل شيء، ولكن أنه هل يفعل ذلك، وهل يجيبك إلى مطلبك أو لا؟ فأرادوا علم المعاينة والمشاهدة والاطمئنان بعد توافر الاعتقاد والعلم بقدرة الله تعالى، وكما قال الخليل إبراهيم عليه السلام كما قال الله تعالى فى سورة البقرة ” رب أرنى كيف تحيى الموتى ” وذلك لأن علم النظر والخبر قد تدخله الشبهة والاعتراضات، وعلم المعاينة المحسوس لا يدخله شيء من ذلك، ولذلك قال الحواريون ” وتطمئن قلوبنا ” وذلك كما قال الخليل إبراهيم عليه السلام ” ولكن ليطمئن قلبى ” ومعنى هل يستطيع ربك أي هل يطيعك ربك إن سألته، وهذا تفريع على أن استطاع بمعنى أطاع، والسين زائدة، وقيل هل يستجيب لك الله تعالى إن سألته ذلك ويطيعك فيه.
وإن مضمون ذلك أن عيسى عليه السلام، أمر الحواريين بصيام ثلاثين يوما، فلما أتموها سألوا من نبى الله عيسى عليه السلام إنزال مائدة من السماء عليهم ليأكلوا منها وتطمئن بذلك قلوبهم أن الله قد تقبل صيامهم وأجابهم إلى طلبتهم، وتكون لهم عيدا يفطرون عليها يوم فطرهم، وتكون كافية لأولهم وآخرهم، لغنيهم وفقيرهم، فوعظهم عيسى عليه السلام في ذلك، وخاف عليهم ألا يقوموا بشكرها، ولا يؤدوا حق شروطها، فأبوا عليه إلا أن يسأل لهم ذلك مِن ربه عز وجل، فلما لم يقلعوا عن ذلك فقام إلى مصلاه، وتضرع إلى الله في الدعاءِ والسؤال، أن يجابوا إلى ما طلبوا، فأنزل الله سبحانه وتعالى المائدة من السماء، وكذا فإن الله تعالى قد آتى عبده وسوله عيسى ابن مريم عليه وعلى أمه السلام الإنجيل، ولكن إنجيل عيسى عليه السلام الحق الذي نؤمن بأنه من عند الله، وهو كتاب فيه هدى ونور، ومصدق لما بين يديه من التوراة.
وفيه موعظة للمتقين، وفيه أحكام وشرائع من رب العالمين، وفيه بشارة بنبينا محمد صلى الله عليه وسلم، وفيه ذكر بعض صفاته وصفات أصحابه صلى الله عليه وسلم، وفيه الحث على العبادة وعلى الجهاد بالنفس والمال، هكذا نعتقد في إنجيل عيسى عليه السلام، ونعتقد أن الله أيّد عيسى عليه السلام بمعجزات وآيات عظيمة، فقد كان زمانه زمان الطب، فجرت على يديه معجزات تناسب زمانه، فكلامه في المهد مع أمه ومع قومه، يعد من معجزاته، وكان يخلق من الطين كهيئة الطير، فينفخ فيه فيكون طيرا بإذن الله، وكان يمسح على الأكمه وهو من ولد أعمى فيبرئه بإذن الله، وكان يمسح على الأبرص فيشفيه بإذن الله، وكان يحيي الموتى بإذن الله، وكان ينبئ الناس بما يأكلون وما يدخرون في بيوتهم، ومن معجزاته أن الله كف بني إسرائيل عنه حين أرادوا قتله.