الدكروري يكتب عن الموت وفتنة القبر ” جزء 5″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الموت وفتنة القبر ” جزء 5″
ونكمل الجزء الخامس مع الموت وفتنة القبر، ومن أهم المظاهر الجلية الواضحة لهذا الحب تكريم الله تعالى لبني آدم كنفخ الروح، وسجود الملائكة لأبينا آدم، ومنحه العقل، وتسخير كل ما في الكون له، وتكليفه بحمل الأمانة، وغير ذلك الكثير، ومن الأنواع الأخرى المهمة أيضا هي محبة الإنسان لله تعالى، التي كلما نمت وترعرت في نفس الإنسان نال الخير العظيم والوفير، وازدهرت حياته، وارتقى في منزلته في الآخرة، وقد حثَت النصوص الإسلامية على ضرورة أن يحب الإنسان ربه ويكون ذلك من خلال استذكار نعم الله تعالى عليه، ورحمته به في كل وقت وحين، وما أعده له في الآخرة من ثواب إن هو أحسن، وسار على الطريق المستقيم، وأيضا من خلال مجاهدة النفس.
والمواظبة على الطاعات، واجتناب المحرمات، ومن أنواع الحب في الإسلام، هو حب الإنسان لبني جنسه، ولسائر المخلوقات من حوله، ويشمل هذا الحب، حب الوالدين، والحب المتبادل بين الرجل والمرأة، وحب الأبناء، وحب العائلة، والأصدقاء، وحب الطبيعة، وغير ذلك، وهذا النوع من أنواع الحب ليس قليل الشأن كما يظن كثير من الناس، بل هو على صلة مباشرة بالأنواع الأخرى، فمن أحب خلق الله تعالى، ارتقى في تعامله معهم، ونال بالتالي حب الله جل في علاه، وإن القلوب المليئة بالحب والرحمة هي أقدر القلوب على عرض رسالة الإسلام السمحة، فالله تعالى لم يُنزل هذه الديانة العظيمة على قلب أرحم الناس رسول الله محمد صلى الله عليه وسلم إلا لتشيع مثل هذه المشاعر السامية بين المخلوقات كلها.
ومن هنا فإنه يمكن القول إن تربية النشء على الحب، والرحمة، والتسامح، بدلا من الكره، والظلم، والعدوان على الآخرين دون وجه حق هو السبيل الأمثل للارتقاء بالأمة، والسير بها نحو دروب الرفعة والألق، وإن الهداية هدف ينشده كل مسلم، مع تفاوت الناس في الطلب وصدق العزيمة وإلى كل راغب في الهداية ومتحر لأسبابها إلى كل متطلع للجنان العالية، عاشق لحورها ومؤمل في نعيمها، ومستجير من النار وفار من زمهريرها وسائر عذابها، ولا نجاة من العذاب ولا وصول إلى السعادة إلا بها، وهي أجل نعم الله الواجب شكرها، وإن من أعظم نعم الله على عبده في هذه الدنيا أن يرزقه الهداية إلى صراطه المستقيم، ولماذا لا تكون الهداية أعظم النعم وأجلها وبها بعد فضل الله يكون الفوز بالجنة والنجاة من النار.
وإن الهداية تعني أن يجمع الله لعبده بين العلم النافع والعمل الصالح، ففاقد العلم يتخبط في الضلالة وفاقد العمل يتخبط في الغواية والعامل بعلمه هو صاحب الرشد والهداية، وإن نعمة النعم أن تعبد مولاك، ونعمة النعم أن تسير في طريق النجاة في طريق الآخرة في طريق الجنة، وذلك لأن هذه الدنيا دنيا فانية، والنجاة هو السبيل، الدنيا فانية، والآخرة هي الحقيقة، الدنيا باطلة والجنة هي الأرقى، ولما نتكلم عن الهداية هذا يعني أننا نتكلم عن مصير الآخرة، لأن الهداية تعني الإيمان، ولأن الهداية تعني الطاعة، ولأن الهداية تعني القيم، ولأن الهداية تعني الأخلاق، ولأن الهداية تعني الإسلام، ولأن الهداية تعني علاقة صحيحة مع إله الكون عز وجل، والهداية فضل يتفضل الله بها على من يشاء من عباده.
فإذا أراد الله هداية عبد من عباده شرح صدره ووسعه حتى يتسع لقبول الهدى وإذا أراد أن يضل عبدا ضيق عليه صدره حتى يضيق عن الهدى، فالهداية بيد الله وحده حتى لو قدر أن قلبك وضع في يسارك ووضع الخير والهدى في يمينك فلن تستطع أن تفرغه في قلبك حتى يكون الله هو الذي يضعه فيه كما قال بعض السلف، فالذين يتعلقون بالدنيا يتعلقون بوهم، يتعلقون بسراب، يتعلقون بشيء لا يساوي عند الله جناح بعوضة، المطلوب أن ينجو الإنسان، لو أعطينا إنسان ملك فرعون ومال قارون وقوة شمشون، وجمال يوسف، ثم سحبنا منه نعمة الإيمان ماذا تساوي هذه الدنيا؟ وإسألوا ؟ من كان يتمتع بالشباب كيف خارت منه القوى، اسألوا أهل المناصب يوم تركوها بحسرة في قلوبهم، اسألوا وستجدون أن الآخرة هي خير وأبقى، وأنها الحقيقة التي ما بعدها حقيقة.