الدكروري يكتب عن الموت وفتنة القبر ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الموت وفتنة القبر ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع الموت وفتنة القبر، فإن عصيت وأبيت وأعرضت وتوليت حتى فاجأك الأجل وقيل “ميت” فستعلم يوم الحساب من عصيت، وستبكي دما على قبح ما جنيت، فيقول تعالى ” يومئذ يتذكر الإنسان وأني له الذكري يقول يا ليتني قدمت لحياتي” واعلمو أن الموت هو مفارقة الروح الجسد، وإنه انتقال من حال إلى حال ومن دار إلى دار، ولقد سمى الله الموت في كتابه مصيبه كما قال جل في علاه فى سورة المائدة ” إن أنتم ضربتم فى الأرض فأصابتكم مصيبة الموت” نعم فإن الموت مصيبة لكن المصيبة الأعظم هي الغفلة عن الموت وعدم تذكر الموت وعدم الاستعداد للموت، ولقد أوعظنا النبي صلى الله عليه وسلم بموعظة من أبلغ مواعظه تلين القلوب وتدعو إلى المحاسبة وتذكرنا بالآخرة.
فقال صلى الله عليه وسلم “أكثروا من ذكر هاذم الذات” نعم فإن يوم غفلنا عن الموت وسكرته والقبر وظلمته والسؤال وشدته ويوم القيامة وكرباته والصراط وحدته، يوم غفلنا عن هذه الأشياء قست القلوب وظهر الفساد في البر والبحر، فاعلمو إن من كان للموت ذاكرا كان للموت مستعـدا، وقال أبو علي الدقاق “من أكثر من ذكر الموت أكرم بثلاث أكرم بتعجيل التوبة ونشاط في العبادة وقناعة في القلب، ومن نسي الموت عوقب بثلاث تسويف في التوبة وكسل في العبادة وعدم القناعة في القلب” وذكر الموت يقلل كل كثير ويكثر كل قليل، ويزهد في الدنيا، ويعين على العمل الصالح والإكثار من ذكر الله هو سبيل المؤمنين وعباد الله المتقين، وكان الحسن بن يسار كثيرا ما يقول.
“يا ابن آدم نطفة بالأمس، وجيفة غدا، والبلى فيما بين ذلك يمسح جبينك كأن الأمر يعني بع غيرك،إن الصحيح من لم تمرضه القلوب، وإن الطاهر من لم تنجسه الخطايا، وإن أكثركم ذكرا للآخرة أنساكم للدنيا، وإن أنسى الناس للآخرة أكثرهم ذكرا للدنيا، وإن أهل العبادة من أمسك نفسه عن الشر، وإن البصير من أبصر الحرام فلم يقربه، وإن العاقل من يذكر يوم القيامة ولم ينس الحساب” إذن مما يرقق القلوب التفكر في الموت وفي أحواله وفي القبر وظلماته، فبالله عليك أخي هل تفكرت يوماً وأنت تخرج في الصباح أنك لن ترجع إلى بيتك مرة ثانية، هل تفكرت أن هذا اليوم هو آخر يوماً لك في الحياة، هل إذا أتاك ملك الموت في هذا اليوم أنت راض عن نفسك، هل أنت راضٍ عن عملك الذي ستقابل به ربك؟
فهل تخيلت حالك قبيل الموت كيف تكون؟ وهل تخيلت أنفاسك الأخيرة على أي حال ستنقضي وهل ستكون ممن يحبون القدوم على ربهم أم ستكون كالعبد الآبق يطلب الرجعة؟ فيا أخي أنت الآن في مهلة فاغتنم فرصة العمل قبل انقضاء الأجل، فوالله لا ينفعك أن تقول ” رب ارجعون” فلا تغفل أيها الغالي عن الموت فإنه ليس له مكان معين، ولا زمن معين، ولا سبب معين، ولا عمر معين يأتيكم بغته وأنتم لا تشعرون، ولقد أعلى الإسلام العظيم من شأن المشاعر الإنسانية، حيث استطاع الارتقاء بها، وتوظيفها التوظيف الحسن الذي يخدم الإنسان، ويبنيه، ولا يهدمه، وقد حارب الإسلام أيضا استغلال المشاعر للوصول إلى الغايات الدنيئة، التي قد تؤدي إلى نخر أساسات المجتمع.
وإحداث جراحات لا تندمل بين الناس، ولا شك في أن مشاعر الحب هي المشاعر الأسمى التي إن دخلت إلى قلب الإنسان جعلته ينظر إلى الدنيا بعين التفاؤل، والفرح، ويستغل أنفاسه في هذه الحياة بشكل إيجابي، ونافع، ومن هنا فقد اهتم الإسلام بالحب، ووضع تصوره الخاص الذي يلبي حاجات الإنسان الفطرية، ويرتقي به من الناحية الروحية، ويصل به إلى أعلى المراتب في الدنيا والآخرة، وتعتبر نظرة الإسلام إلى الحب أوسع النظرات، وأكثرها عمقا، وتلبية لحاجات النفس الإنسانية، فالإسلام لم ينظر إلى الحب على أنه حب رجل لامرأة، أو العكس فقط، بل أضاف إلى هذا النوع ما هو أسمى، وأعظم منه بمرات ومرات، وعلى رأس أنواع وأشكال الحب في الإسلام حب الله تعالى للإنسان.