الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة الطائف ” جزء 11″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة الطائف ” جزء 11″
ونكمل الجزء الحادي عشر مع الرسول في غزوة الطائف، وأما عن حصول المسلمين على آلات الحرب هذه حيث ضربوا الحصون بالمنجنيق فقد ذكر أن خالد بن سعيد بن العاص جاء بمنجنيق ودبابتين من جرش في حين تفيد رواية أخرى أن سلمان الفارسي عمل المنجنيق بيده، وقد أمر صلى الله عليه وسلم، بتحريق بساتين العنب والنخيل في ضواحي الطائف للضغط على ثقيف التي ناشدته ألا يفعل فتركها بعد أن أحدثت المحاولة أثرها في إضعاف معنوياته، وكذلك وجه نداء لعبيد الطائف أن من ينزل منهم من الحصن ويخرج إلى المسلمين فهو حر، فخرج ثلاثة وعشرون من العبيد منهم أبو بكرة الثقفي فأسلموا فأعتقهم ولم يعدهم إلى ثقيف بعد إسلامها، ورغم ما واجهته ثقيف من وابل السهام التي أمطرها بها المسلمون لينالوا درجة في الجنة وعدهم بها رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فإنها صمدت أمام الحصار بكبرياء وإصرار، وقد كثرت الجراحات في المسلمين، واستشهد منهم اثنا عشر رجلا، في حين لم يقتل من المشركين سوى ثلاثة بسبب امتناعهم بالحصون والأسوار، وقيل أن الرسول صلى الله عليه وسلم، لم يقصد بحصار الطائف فتحها، بل كسر شوكة ثقيف وتعريفها بأن بلدها في قبضة المسلمين، وأنهم متى شاءوا دخلوها، وما كان صلى الله عليه وسلم ليشق على المسلمين ويكثر من تقديم الشهداء لفتح بلد حصين يحيط به الإسلام من كل مكان وليس له إلا الإسلام أو الاستسلام طال الوقت أم قصر، كما أنه كان يحرص على ثقيف حرصه على قريش من قبل، فهم إن تحولوا إلى الإسلام كانوا مادة له، فهم أهل فطنة وذكاء، وكان يطمح لإسلامهم وقد سعى لنشر الدعوة فيهم منذ المرحلة المكية ودعا لهم بالهداية بعد أن رفضوا دعوته وآذوه.
وقد سأله بعض الصحابة أثناء حصار الطائف أن يدعو على ثقيف فدعا لهم بقوله ” اللهم إهدى ثقيف ” وقد انتظر النبى صلى الله عليه وسلم، بضع عشرة ليلة متطلعا إلى قدوم هوازن عليه ودخولها في الإسلام، لكنها أبطأت عليه، فقسم الغنائم، والأصل أن الغنيمة يؤخذ منها الخمس يتصرف فيه صلى الله عليه وسلم وفقا للتوجيه القرآني، وأما الأربعة الأخماس الأخرى فهي حصة المقاتلين الذين شهدوا القتال، حيث توزع بينهم بالتساوي للرجل سهم وللفارس ثلاثة أسهم، سهم له وسهمان لفرسه، وهذا في غنيمة الأموال المنقولة، وأما الأموال غير المنقولة فالإمام مخير فيها بين قسمتها أو وقفها واعتبارها ملكا عاما للدولة، والأموال التي يحوزها المسلمون في القتال هي الغنيمة التي تقسم كما ذكرت، وأما الأموال التي يحوزونها دون قتال فتسمى بالفيء ويصرف في المصالح العامة.
وفقا لاجتهاد الحاكم، وقد يعطي الحاكم النفل لبعض المقاتلين المبرزين من الغنيمة قبل إخراج الخمس منها أو بعده، كما يجوز أن يعطيهم من الخمس، وكذلك يأذن لهم بأخذ سلب من قتلوه من المشركين، وهكذا قال أنس بن مالك رضى الله عنه، إن كان الرجل ليسلم ما يريد إلا الدنيا فما يسلم حتى يكون الإسلام أحب إليه من الدنيا وما عليها، وقد وضح بعض المؤلفة قلوبهم عن أثر ذلك فقال صفوان بن أمية، لقد أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم ما أعطاني وإنه لأبغض الناس إلي، فما ربح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إلي، ولقد كان صفوان بن أمية من المؤلفة قلوبهم، وكان يحب أن يناله من أعطيات الرسول صلى الله عليه وسلم، وقد تأثر بعض المسلمين في بداية الأمر لعدم شمولهم بالأعطيات فكان لابد من بيان الحكمة لهم في ذلك، فقال صلى الله عليه وسلم موضحا.
“والله إني لأعطي الرجل وأدع الرجل، والذي أدع أحب إليّ من الذي أعطي، ولكن أعطي أقواما لما أرى في قلوبهم من الجزع والهلع، وأكل أقواما إلى ما جعل الله في قلوبهم من الغنى والخير” وقال صلى الله عليه وسلم ” إني لأعطي رجالا حدثاء عهد بكفر أتألفهم ” وقال ” إني لأعطي الرجل وغيره أحب إلي منه مخافة أن يكبه الله في النار ” وقد بلغ رسول الله صلى الله عليه وسلم أن الأنصار وجدوا في أنفسهم لعدم أخذهم شيئا من الأعطيات، وأن بعض أحداثهم قالوا إذا كانت الشدة فنحن ندعي، وتعطى الغنائم غيرنا، وقالوا يعطي قريشا ويتركنا وسيوفنا تقطر من دمائهم، فجمعهم في قبة من أدم وقال صلى الله عليه وسلم ” إن قريشا حديث عهد بجاهلية ومصيبة، وإني أردت أن أجبرهم وأتألفهم، أما ترضون أن يرجع الناس بالدنيا وترجعون برسول الله صلى الله عليه وسلم إلى بيوتكم، لو سلك الناس واديا وسلك الأنصار شعبا لسلكت شعب الأنصار”