الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة الطائف ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة الطائف ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع الرسول في غزوة الطائف، وأعطى صلى الله عليه وسلم حكيم بن حزام مائة من الإبل، ثم سأله مئة أخرى، فأعطاه إياها، ثم سأله فأعطاه، ثم قال له صلى الله عليه وسلم ” يا حكيم إن هذا المال خضرة حلوة فمن أخذه بسخاوة نفس بورك له فيه، ومن أخذه بإشراف نفس لم يبارك له فيه، وكان كالذى يأكل ولا يشبع، واليد العليا خير من اليد السفلى ” فقال حكيم، قلت يا رسول الله، والذي بعثك بالحق لا أرزأ أحدا بعدك شيئًا حتى أفارق الدنيا، فكان أبو بكر رضي الله عنه يدعو حكيما ليعطيه فيأبى أن يقبل منه شيئًا، ثم إن عمر رضي الله عنه دعاه ليعطيه، فأبى أن يقبل منه، فقال عمر رضي الله عنه إني أشهدكم معشر المسلمين، أني أعرض عليه حقه من هذا الفيء، فيأبى أن يأخذه، فلم يرزأ حكيم أحدا من الناس شيئا بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم حتى توفي.
وقد قال الحافظ، وإنما امتنع حكيم من أخذ العطاء، مع أنه حقه، لأنه خشي أن يقبل من أحد شيئا فيعتاد الأخذ، فتتجاوز به نفسه إلى ما لا يريده، ففطمها عن ذلك، وترك ما يريبه إلى ما لا يريبه، وقد أعطى صلى الله عليه وسلم صفوان بن أمية وكان ما زال مشركا مائة من الإبل، ثم مائة ثانية، ثم مائة ثالثة، وقال صفوان أعطاني رسول الله صلى الله عليه وسلم يوم حنين، وإنه لأبغض الناس إليّ، فما برح يعطيني حتى إنه لأحب الناس إليّ، وأعطى صلى الله عليه وسلم الحارث بن هشام مائة من الإبل، وأعطى سهيل بن عمرو مائة من الإبل، وأعطى حويطب بن عبد العُزى مائة من الإبل، وأعطى صلى الله عليه وسلم آخرين خمسين خمسين، وأربعين أربعين، حتى شاع في الناس أن محمدا صلى الله عليه وسلم يعطي عطاء من لا يخشى الفقر.
فازدحمت عليه الأعراب يطلبون المال حتى اضطروه إلى سمرة، فخطفت رداؤه صلى الله عليه وسلم، فقال ” أعطونى ردائى فلو كان عدد هذه العضاه نعما، لقسمتها بينكم، ثم لا تجدونى بخيلا، ولا كذابا، ولا جبانا ” وكان بعد أن شتت المسلمون هوازن وتعقبوها في نخلة وأوطاس اتجهوا إلى مدينة الطائف التي تحصنت فيها ثقيف ومعهم مالك بن عوف النصري، وكانت الطائف تمتاز بموقعها الجبلي وبأسوارها القوية وحصونها الدفاعية، وليس إليها منفذ سوى الأبواب التي أغلقتها ثقيف بعد أن أدخلت من الأقوات ما يكفي لسنة كاملة، وهيأت من وسائل الحرب ما يكفل لها الصمود طويلا، وكان وصول المسلمين إلى الطائف في حدود العشرين من شوال دون أن يستجم الجيش طويلا من غزوة حنين وسرايا نخلة وأوطاس التي بدأت في العاشر من شوال واستغرقت أكثر من أسبوع.
وقد حاصر المسلمون الطائف بضع عشرة ليلة، وهناك روايات أخرى تقول أن الحصار استمر خمسة وعشرين يوما أو شهرا أو أربعين يوما، والقول بهذا لا يتفق مع تواريخ الأحداث الأخرى وسياقها، لأن الرسول صلى الله عليه وسلم، وصل إلى المدينة لست ليال بقين من ذي القعدة بعد أن مكث بضع عشرة ليلة في الجعرانة ثم قام بالعمرة ثم عاد إلى المدينة ويحتاج ذلك إلى ثمانية عشر يوما على الأقل بعد فك الحصار عن الطائف، وقد سلك المسلمون في تقدمهم نحو الطائف الطريق القديم الذي يدخل الطائف من ناحية الجنوب، فمروا على نخلة اليمانية ثم قرن المنازل، ثم المليح من وديان الطائف ثم بحرة الرغاء، جنوب الطائف وهي طريق طويلة، ولكن الطائف يستحيل اقتحامها من ناحية الشمال حيث التضاريس الجبلية المعقدة التي تعطيها تحصينا طبيعيا.
ثم إن الرسول صلى الله عليه وسلم، أراد أن يحول بين ثقيف وبين أمدادها من هوازن شرق وجنوب الطائف، وقد نزل المسلمون قريبا من حصون الطائف فكانوا في متناول سهام ثقيف فأصيب بعضهم فتحولوا بعسكرهم إلى الموضع الذي بنى فيه مسجده وهو المعروف اليوم بمسجد عبد الله بن عباس، والطائف قديما كانت إلى الجنوب الغربي من المسجد وكان القتال تراشقا بالسهام على بعد، وقد استخدم المسلمون آلة من الخشب الثخين المغلف بالجلود مركبة على عجلات مستديرة وهى الدبابة وقد احتموا بها من السهام حتى وصلوا إلى الأسوار ليثقبوها، فألقت ثقيف عليهم قطع حديد محماة فأحرقت هذه الدبابة وخرج المقاتلون من تحتها فأصابتهم السهام وهذه هي أول غزوة يستخدم فيها المسلمون آلات لضرب الحصون، وقد اشتهرت جرش اليمانية بصناعة الدبابات والمجانيق والضبور.