الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة الطائف ” جزء 4″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة الطائف ” جزء 4″
ونكمل الجزء الرابع مع الرسول في غزوة الطائف، وهدفت الغزوة إلى فتح الطائف والقضاء على قوات ثقيف وهوازن الهاربة من غزوة حنين، وهي امتداد لغزوة حنين، وذلك أن معظم فلول هوازن وثقيف دخلوا الطائف مع قائدهم مالك بن عوف النصري وتحصنوا بها فسار إليهم صلى الله عليه وسلم، بعد فراغه من حنين، وأما عن مالك بن عوف النصري، فهو قائد هوازن وثقيف يوم حنين ضد المسلمين وقد هُزم جيشه بالمعركة ثم أسلم بعدها، وهو مالك بن عوف بن سعد بن يربوع ابن دهمان، ويرتفع نسبه إلى نصر بن معاوية بكر بن هوازن، ويلقب بأبي علي النصري نسبة إلى أحد أجداده نصر بن معاوية، وهو فارس وشاعر مخضرم من أهل الطائف، ويعد بين الفرسان الجرارين، ولم يكن الرجل لينعت بالجرار حتى يقود ألف مقاتل.
وكان رفيع القدر في قومه، وقاتل ثقيف في الجاهلية، فكان لا يخرج لهم سرح إلا أغار عليه حتى يصيبه، وكثيرا ما كان يصيب، وقارب وفاته في السنة العشرين للهجرة، وقد ذاع صيت مالك فارسا بعد الإسلام إذ تأخر إسلامه إلى ما بعد غزوة حنين، وما كان من شأنه فيها، وقال ابن إسحاق عنه، أنه لما سمعت هوازن برسول الله صلى الله عليه وسلم، وما فتح الله عليه من مكة، ونيته التوجه إلى الطائف لإخضاع هوازن وثقيف جمع مالك بن عوف هوازن، وانضمت معه ثقيف كلها، وأراد قتال المسلمين، فساق الناس مع أموالهم ونسائهم إلى القتال، ليجعل خلف كل رجل أهله وماله ليقاتل عنهم بشدة وبسالة، ولما وقعت الواقعة، وكان مالك بن عوف النصري قد قاد قبائل هوازن وثقيف لحرب المسلمين في حنين، فهُزموا ووقعت أموالهم وأهلهم وذراريهم بأيدي المسلمين.
وقال ابن إسحاق، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم، لوفد هوازن عن مالك بن عوف النصري، “ما فعل؟” فقالوا هو بالطائف مع ثقيف، فقال صلى الله عليه وسلم ” أخبروا مالكا أنه إن أتاني مسلما رددت عليه أهله وماله، وأعطيته مئة من الإبل” فأتي مالك بذلك، فخرج إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الطائف، وقد كان مالكا خاف ثقيفا على نفسه أن يعلموا أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال له ما قال فيحبسوه، فأمر براحلته فهيئت له، وأمر بفرس له فأتي به إلى الطائف، فخرج ليلا، فجلس على فرسه، فركضه حتى أتى راحلته حيث أمر بها أن تحبس، فركبها، فلحق برسول الله صلى الله عليه وسلم، فأدركه بالجعرانة أو بمكة، فرد عليه صلى الله عليه وسلم أهله وماله، وأعطاه مئة من الإبل، وقد حسن إسلام مالك.
فاستعمله صلى الله عليه وسلم،على قومه ومن معه من ثمالة وسلمة وفهم، وظل عليهم إلى أن قامت حرب الفتوح، حيث شارك مع قبيلته في معركة القادسية، وكان لهم شأن فيها، كما شهد فتح مدينة دمشق وأقام فيها، وصارت له دار تعرف بدار بني نصر، وقد نزلها مالك أول ما فتحت دمشق، ولم يكن صيت مالك الشاعر مثل صيته فارسا، فهو من الشعراء المقلين الذين كانوا يقولون الشعر في المناسبات التي تقتضيها، ومن أكثر أشعاره ما قيل في الحماسة والمديح، ويتسم شعره على قلته بالجزالة والقوة، وكثرة الغريب، وتوفي مالك بن عوف هوازن، نحو عام عشرين من الهجره، وكان عندما وصل المسلمون إلى الطائف عسكروا هناك وقضوا عدة أيام على اختلاف الروايات وفرضوا الحصار عليهم، وخلال الحصار رماهم أهل الحصن رميا شديدا.
حتى قتلوا اثنا عشر من المسلمين، فأشار الحُباب بن المنذر أن يبتعد المسلمون عن الحصن حتى لا تصيبهم السهام، وبالفعل عسكر صلى الله عليه وسلم في مكان بعيد، ولكنه ما زال يحاصر الطائف، وقد قام صلى الله عليه وسلم، بعمل أكثر من طريقة لضرب هذا الحصار، فقد قام سلمان الفارسي بصناعة منجنيق، لقذف حصون الطائف بالحجارة، وصنعوا دبابة خشبية كان يختبئ تحتها الجنود، ليصلوا إلى القلاع والحصون دون أن تصيبهم السهام، وبدأ المسلمون في قذف أسوار الطائف بالمنجنيق الذي صنعه سلمان، وسار المسلمون تحت الدبابة الخشبية، وبالفعل كسروا جزءا من السور، وكاد المسلمون يدخلون داخل أسوار الطائف، لولا أن أهل الطائف فاجئوا المسلمين بإلقاء الحسك الشائك المحمى في النار، وهو عبارة عن أشواك حديدية ضخمة أوقدت عليها النار حتى احمرت فألقوها على المسلمين.