الدكرورى يكتب عن الرسول في غزوة الطائف ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
الرسول في غزوة الطائف ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع الرسول في غزوة الطائف، فقال لهم صلى الله عليه وسلم ” اغدوا على القتال” فغدوا عليه فأصابهم جراح، فقال لهم صلى الله عليه وسلم” إنا قافلون غدا ” فأعجبهم ذلك، فضحك صلى الله عليه وسلم” رواه البخاري ومسلم، وتروي كتب السير أن بعض الصحابة أتوا رسول الله صلى الله عليه وسلم وقت الحصار، وقالوا يا نبي الله، ادع الله على ثقيف، فقال صلى الله عليه وسلم “اللهم اهد ثقيفا وأت بهم” ثم أذن مؤذن رسول الله صلى الله عليه وسلم، بالرحيل، فرحل الجيش وهم يقولون “آيبون تائبون عابدون لربنا حامدون” وهكذا عاد المسلمون من غزوة الطائف، منتصرين وإن لم يفتحوا الحصن، منتصرين بإيمانهم، وثباتهم، وصبرهم، إضافة لما حصل من استسلام بعض أهل الطائف وإسلامهم.
ولقد سار النبي صلى الله عليه وسلم، في جيشه الضخم متجها إلى الطائف، والمقارنة عجيبة بين هذا المسير المهيب للطائف، وبين مسيره صلى الله عليه وسلم إليها منذ أحد عشر عاما، وكان صلى الله عليه وسلم، وقتها متجها إلى الطائف، وهو في أشد حالات الحزن والضيق، وكان يسير ماشيا على قدميه، وليس معه إلا غلامه زيد بن حارثة، فقد طردته مكة، وأخرجته وتنكرت له، وماتت السيدة خديجة رضي الله عنها، ومات عمه أبو طالب، وليس معه في مكة إلا أقل القليل من المؤمنين الذين لا يتجاوزون المائة، فالوضع كان في قمة المأساة، ولم تخفف الطائف من آلامه صلى الله عليه وسلم، بل عمقت هذه الآلام، ورفضت الدعوة الإسلامية بتكبر، وحاربت الرسول صلى الله عليه وسلم، بشدة، واستقبلته استقبال اللئام، لا استقبال الكرام.
وطردوه هو وصاحبه زيد بن حارثه، وقد أمطروهما بوابل من الحجارة والتراب والسباب، حتى ألجئوهما إلى حائط عتبة وشيبة ابني ربيعة، وهناك تضرع صلى الله عليه وسلم، إلى الله بالدعاء الذى يعبر عن درجة الألم والأسى والحزن الشديد التي وصل إليها، وغادر صلى الله عليه وسلم، في ذلك اليوم هذه الحديقة، وعاد متجها إلى مكة كما قيل مهموما على وجهه، في ظروف لا يتحملها عامة البشر، ومع ذلك ومع كون حالته النفسية قد وصلت إلى أقصى درجات الألم، إلا أنه صلى الله عليه وسلم، رفض تدمير قريتي الطائف ومكة المكرمة اللتين كفرتا بالله عز وجل، مع أن ملك الجبال عرض عليه هذا الأمر، ولكن النبي صلى الله عليه وسلم، قال لملك الجبال ” بل أرجوا من الله عز وجل أن يخرج من أصلابهم من يعبد الله عز وجل لا يشرك به شيئا ”
ومرت الأيام، وكما يقول الله عز وجل فى كتابة الكريم فى سورة آل عمران “وتلك الأيام نداولها بين الناس، وليعلم الله الذين آمنوا ويتخذ منكم شهداء والله لا يحب الظالمين” وقدغيّر الله تعالى الأحوال، وجاء صلى الله عليه وسلم، بعد أحد عشر عاما كاملة بما لا يتخيله أحد، لا من الطائف، ولا من مكة، ولا من أهل الجزيرة بكاملها، فقد جاء صلى الله عليه وسلم، الآن عزيزا منتصرا ممكنا رافعا رأسه، ومحاطا بجيش مؤمن جرار، يزلزل الأرض من حوله، ويرفع راية التوحيد لا إله إلا الله محمد رسول الله، فكانت أحد عشر عاما فقط ولكنها فرقت بين الموقفين، وتحقق ما ذكره صلى الله عليه وسلم، لصاحبه زيد بن حارثة رضى الله عنه، يوم قال له في يقين بعد عودتهم المحزنة من الطائف ” يا زيد، إن الله لما ترى فرجا ومخرجا، وإن الله ناصر دينه ومظهر نبيه ” ولقد جاء الفرج والمخرج على صورة أعظم بكثير من تخيل الجميع.
ونصر الله الدين، وأظهر النبي صلى الله عليه وسلم، ولا شك أن النبي صلى الله عليه وسلم، وهو ذاهب إلى الطائف كان في رأسه ذكريات كثيرة تجول في خاطره، إنها ذكريات لا حصر لها، والجيش يقطع صمت الصحراء في اتجاه الطائف للمرة الثانية في حياته، ولعله صلى الله عليه وسلم، تذكر صاحبه زيد بن حارثة رضى الله عنه، عندما كان يصحبه في رحلة الطائف، والآن زيد لا يسير معه، فقد سبق زيد إلى الجنة، إذ استشهد في موقعة مؤتة، ولعله صلى الله عليه وسلم، تذكر أهل الطائف، وهم يرفضون دعوته جميعا بلا استثناء في تعنت أشد من تعنت أهل مكة، ولعله تذكر عبد ياليل بن عمير الثقفي، الذي انتهت إليه زعامة ثقيف عندما وقف يسخر من النبي صلى الله عليه وسلم، ويقول وهو يمرط ثياب الكعبة، إن كان الله أرسلك، ويقول الآخر، أما وجد الله أحدا يرسله غيرك، فقد فر فرارا مخزيا من أرض حنين.