الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 21″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 21″
ونكمل الجزء الواحد والعشرون مع نبي الله نوح علية السلام، وأما عن ما ذنب الحيوانات الباقية التي ماتت غرقا؟ فهو الجواب نفسه عن ذنب كل حيوان مات في كارثة طبيعية من فيضان أو زلزال أو صاعقة أو إعصار، وإن من الإنصاف للحقيقة أن يعلم الناظر والباحث، أن العالم إذا ألف كتابا واحتوى علما كثيرا ثم بعد ذلك اطلعوا على مكان واحد من كتابه يصعب على الفهم، فالمتعارف عليه عند جميع العقلاء، والذي تقتضيه الموضوعية العلمية أن هذا الكتاب لا يُطعن فيه، ولا يُطرح جميع ما فيه من علم، بمجرد وجود هذه الصعوبة، بل عليه أن يستعمل الأدوات المناسبة لفهم ما يشكل عليه وحل معضلات الكلام، وهذا في كلام البشر، فكيف بكتاب مثل كتاب الله جل جلاله، وقد مر عليه من القرون ما مر، وآمن به من العقلاء من آمن.
وعاداه من البشر من عاداه، وسعوا إلى الطعن فيه بكل سبيل فلم يستطيعوا أن يأتوا فيه بطائل بل يضطر المنصفون منهم إلى الإقرار بفضل هذا الكتاب، وعظيم شأنه، ومنهم من شرح الله صدره للإيمان به، بعدما جهد طويلا ليطعن فيه، وأما عن القصص في القرآن الكريم فقد جاءت لمقاصد إيمانية ودعوية أشار القرآن إليها بوضوح منها وهى تثبيت قلب النبي الكريم محمد صلى الله عليه وسلم وقلوب المؤمنين عند الشدائد، فقال الله تعالى فى كتابه الكريم فى سورة هود ” وكلا نقص عليك من أنباء الرسل ما نثبت به فؤادك وجاءك فى هذه الحق وموعظة وذكرى للمؤمنين ” وكذلك للتدليل على أن هذا القرآن الكريم هو من الله سبحانه وتعالى المحيط بكل شيء علما، والعالم بما كان وبما سيكون، كما قال الله تعالى بعد ذكره لقصة نبيه نوح عليه السلام.
” تلك من أنباء الغيب نوحيها إليك ما كنت تعلمها أنت ولا قومك من قبل فاصبر إن العاقبة للمتقين” فالقرآن الكريم يذكر من الحادثة ما يحقق المقصود الدعوي والإيماني منها، كما نرى في قصة نبى الله نوح عليه السلام مع قومه، فقد كان التركيز على جهد نبى الله نوح عليه السلام في دعوته، وبيان مدى إعراض قومه عن الحق، ثم بيّن الله تعالى العقاب الذي لحق هؤلاء القوم المعرضين عن الحق، وذكر لنا من صفات هذا العقاب ما نستطيع أن نأخذ منه صورة عامة لهوله، أما باقي تفصيلاته التي لا تفيدنا فلم يتعرض لها القرآن الكريم، وقال الشيخ الشنقيطي رحمه الله ففي القرآن الكريم أشياء كثيرة لم يبينها الله لنا ولا رسوله صلى الله عليه وسلم، ولم يثبت في بيانها شيء، وإن البحث عنها لا طائل تحته ولا فائدة فيه، وكثير من المفسرين يطنبون في ذكر الأقوال.
فيها بدون علم ولا جدوى، ونحن نُعرض عن مثل ذلك دائما، ومثال ذلك هو السؤال عن لون كلب أصحاب الكهف، واسمه، وكالبعض الذي ضرب به القتيل من بقرة بني إسرائيل، وكاسم الغلام الذي قتله الخضر، وأنكر عليه نبى الله موسى عليه السلام قتله، وكخشب سفينة نوح من أي شجر هو، وكم طول السفينة وعرضها، وكم فيها من الطبقات، إلى غير ذلك مما لا فائدة في البحث عنه، ولا دليل على التحقيق فيه فإن من الأولى أن نترك التدقيق في المعلومات التي لم يذكرها القرآن الكريم ولا السنة النبوية الشريفة عن هذا الطوفان وذلك لسببين وهو عدم وجود الفائدة من ذلك التدقيق، فلو كان فيه فائدة لأخبرنا به القرآن الكريم أو السنة النبوية الشريفة، وأن الأسانيد العلمية، والأدلة التاريخية لن توصلنا إلى نتيجة قطعية في مثل ذلك لأن واقع الحياة وتفاصيلها.
في ذلك الزمن البعيد جدا وهى مجهولة للإنسان، وما يذكره العلم الحديث عن تلك الأزمان البعيدة في القدم ليس كله من الحقائق العلمية المطلقة، بل كثير منه هو نظريات وتفسيرات علمية، قابلة للتغير والتخطئة والإبطال، وإن ظاهر النصوص القرآنية والذي عليه المفسرون أنه عمّ الأرض، وصرح القرآن الكريم أيضا أن قوم نوح قد عمّهم الطوفان بماء هائل، ولم ينج منهم إلا من ركب مع نبى الله نوح عليه السلام في السفينة، والبشرية اليوم هي من نسل نبى الله نوح عليه السلام ، فهذا الذي يشير إليه القرآن الكريم، أما كيف تم جمع هذه الحيوانات، وكم طول السفينة، وكم كانت كمية الماء وإلى أي مدى بالضبط وصل؟ فلا يوجد نص قاطع من قرآن أو سنة على ذلك، فلا نشغل بها أنفسنا، وقال الطاهر ابن عاشور رحمه الله ” وعموم الطوفان هو مقتضى ظواهر الكتاب والسنة “