الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 15″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 15″
ونكمل الجزء الخامس عشر مع نبي الله نوح علية السلام، ومن أعاد النظر وتأمل منكم في واقعنا، وجد أن جند الشيطان من شياطين الإنس تعلموا هذه الخطة نفسها، التي رسمها قائدهم الأول مع قوم نوح، وإن أعداءنا إذا تأملنا طريقتهم، نلاحظ أنهم ما أفسدوا ديار المسلمين، ولا أفسدوا أخلاق المسلمين وسلوكهم وتصوراتهم إلا عن طريق التدرج، وأسلوب المرحلة بعد المرحلة، ودليلنا على ذلك أن ما تعانيه أمتنا من انحرافات في جميع المجالات، انحرافات في الأخلاق، وانحرافات في التصورات، وانحرافات في القضايا الاجتماعية، بل انحراف وبعد عن الإسلام في جميع شئونه، ولم يحدث كل هذا دفعة واحدة، وإنما تم على مراحل، وإن هناك أيضا قضية تستحق الوقوف عندها، ونحن نعايش قصة نبي الله نوح عليه السلام، وهي قضية الولاء والبراء.
وهى مسألة الحب في الله والبغض في الله، والتي قد نزعت من قلوب غالب المسلمين، وهى الولاء للمؤمنين، والبراء من المشركين الكافرين أيا كانوا، وإن المسلم في حياته قد يبتلى بقومه أو أصدقائه أو حتى أهله، وقد يكون هو مسلما وأحد هؤلاء من الكفار، فماذا يكون موقفه؟ وما الواجب عليه؟ ولقد بين الله عز وجل المنهج واضحا في قصة نبى الله نوح الله عليه السلام لكل مسلم، وهو أن لا تأخذه العاطفة، أو يجره الشفقة، أيا كان ذلك القريب، وإن الرابطة هي رابطة العقيدة، وغيرها من الروابط لا بد تقطع، وقصة نبى الله نوح الله عليه السلام مع ابنه، والدرس الذي علمه الله عز وجل له، وهو التبري من ولده، تشبه استغفار رسول الله الكريم محمد صلى الله عليه وسلم لعمه أبي طالب بعد هلاكه، وقوله “والله لاستغفرن له ما لم أنه عنك” فأنزل الله تعالى قوله.
فى كتابه الكريم فى سورة التوبة ” ما كان للنبى والذين آمنوا أن يستغفروا للمشركين” وقد روى الإمام أحمد في مسنده، من حديث أبي بريده عن أبيه، قال “كنا مع النبي صلى الله عليه وسلم ونحن في سفر، فنزل بنا ونحن قريب من ألف راكب، فصلى ركعتين، ثم أقبل علينا بوجهه، وعيناه تذرفان، فقام إليه عمر بن الخطاب وفداه بالأب والأم، وقال يا رسول الله مالك؟ فقال صلى الله عليه وسلم “إني سألت ربي عز وجل، في الاستغفار لأمي، فلم يُأذن لي، فدمعت عيناي رحمة لها من النار” فما دلالة هذا أنه لم يأذن لخاتم الأنبياء والمرسلين صلى الله عليه وسلم، أن يستغفر لأمه آمنة، ويعاتب، لأنه كان يستغفر لعمه أبي طالب، ويعاتب نبي الله نوح عليه السلام، لأنه سأل ربه نجاة ابنه المشرك من الغرق؟ وقد أكدت قصة نبى الله نوح الله عليه السلام.
على أن النسب والقرابة والرابطة الزوجية لا تشفع لصاحبها إذا أصر على الكفر بالله تعالى والصد عن سبيله فقد ضرب الله عز وجل، في كتابه العزيز مثلا للذين كفروا، فقال تعالى ” ضرب الله مثلا للذين كفروا امرأت نوح وامرأت لوط كانتا تحت عبدين من عبادنا صالحين فخانتهما فلم يغنيا عنهما من الله شيئا وقيل ادخلا النار مع الداخلين” إذ أنه كانت كل من إمرأة نبى الله نوح الله عليه السلام وإمرأة نبى الله لوط عليه السلام في عصمة نبيين صالحين من عباد الله، وكانت واعلة زوجة نبى الله نوح الله عليه السلام تعين قومها على زوجها حين كانت تتهمه بالجنون، إلى جانب أنها لم تؤمن بدعوته فكان ذلك الأمر بمثابة خيانة لزوجها ولذلك استحقت تلك المرأة العذاب من عند الله تعالى مع من كفر من قوم نبى الله نوح الله عليه السلام ولم تنفعها رابطة الزوجية.
مع رجل كانت مكانته عالية عند ربه في دفع العذاب عنها فكل إنسان مسؤول أمام ربه عن نفسه، وأن الله تعالى يُجري المعجزات على أيدي أنبيائه، ورسله الكرام تأييدا لهم في دعواهم أمام أقوامهم وإن المعجزة هي أمر خارق للعادة، تخترق قوانين الكون، وتجري بغير ما أَلفته النفوس، وتكون المعجزة مقترنة بالتحدي، وتستحيل معارضتها بالإتيان بمثلها، وقد كانت السفينة هي معجزة نبى الله نوح الله عليه السلام حيث أوحى الله إليه أن يصنعها، حتى إذا جاء أمر الله، وفار التنور الذي كان مصنوعا من حجارة، علما أن الله تعالى جعل فوران الماء منه علامة على مجيء أمره، وقد أمر الله نوحا عليه السلام أن يحمل على السفينة من كل شيء حي زوجين ذكرا وأنثى، ولم يثبت عدد الذين حُملوا على السفينة في الكتاب، أو السنة.