الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 14″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 14″
ونكمل الجزء الرابع عشر مع نبي الله نوح علية السلام، وبعدما انتهى نبى الله نوح الله عليه السلام من صنع السفينة، وظهرت علامات بدء العذاب، وهي تفجر الماء من الأرض، فأمر الله عز وجل نوحا أن يجمع من كل صنف من الأحياء والحيوانات زوجين، ليحملهما معه في السفينة، وأرسل الله عز وجل، بعد ذلك بقدرته على كل شيء من السماء مطرا غزيرا لم تعهد الأرض قبله، وأمر الأرض بأن تتفجر فيها المياه، فاجتمع ماء السماء وماء الأرض، ليحصل جراء ذلك الطوفان العظيم، الذي قدره الله لهلاك الكافرين، والسفينة الصغيرة تسير وسط هذه الأمواج المتلاطمة، بحفظ الله عز وجل، ورعايته، وبذلك انتهت نهاية هؤلاء الكافرين، الذين لم يستجيبوا لأمر نبيهم، بل فضلوا الخضوع للأصنام من الخضوع لرب العباد.
وفي وسط تلك الأمواج المتلاطمة تحركت عاطفة الأبوة عند نبى الله نوح عليه السلام، وتذكر ولده لأنه كان من الكافرين يدعوه أبيه، فناداه الأب ليركب معه في السفينة، لينجوا من الغرق، ولكن ظلمة الكفر طمست على بصيرته، وأصر على عصيانه، وظن أنه سيلجأ إلى جبل مرتفع، ولن يصل الماء إليه، ولقد ثارت الشفقة في قلب نبى الله نوح الله عليه السلام على ولده، فسأل الله عز وجل، بعد ما تحقق من هلاكه أن ينجيه الله، فأجاب الله عز وجل بأن ولده كافرا، وإن عقيدة البراء من الكفار هو من أساسيات التوحيد، والذي يجب عليه أن لا يتغلب شفقة الأبوة على حكم الله عز وجل، وبذلك هلك الكفار من تأثير الطوفان، بعدها أمر الله عز وجل، الأرض أن تبلع ماءها، وأمر السماء أن تقلع من المطر، واستوت سفينة نبى الله نوح الله عليه السلام.
ومن معه عند جبل يسمى الجودى، ورست السفينة عند ذلك الجبل، وأمر الله نبى الله نوح الله عليه السلام أن ينزل من السفينة إلى الأرض، فهبط بأرض الموصل محفوفا ببركات من الله، ومن آمن معه، وإن أول ما نحب أن نقف عنده هو ذلك الشرك الذي من أجله، بعث الله تعالى رسوله نوح عليه السلام إلى قومه، ولقد كانت عبادة الأصنام والشرك منتشرا عند قوم نوح، ولخطورة هذه القضية، ولسوء عاقبة المشرك، بعث الله تعالى فيهم نبى الله نوح الله عليه السلام لكي يحذرهم من الخزي الذي سوف يحل بهم في الدنيا والآخرة، إذا لم يرجعوا إلى ربهم، وإن عاقبة الشرك وخيمة، والله سبحانه وتعالى يغار على دينه، وقد يغفر الله كل ذنب من الإنسان إلا الشرك فهو تعالى القائل فى كتابه الكريم سورة النساء ” إن الله لا يغفر أن يشرك به ويغفر ما دون ذلك لمن يشاء ”
فإن بعض الناس في زماننا يتصوروا هذا أن الشرك قد زال، ويتصورون أن الأصنام قد زالت وذهبت، وما عاد الناس يعبدونها منذ فتح مكة، وتكسير الرسول صلى الله عليه وسلم الأصنام التي كانت على الكعبة وفي جوفها، فنقول لهم إن عبادة الأصنام قد عادت من جديد، وصار الناس في هذا الزمان، يعبدون أصناما عصرية حديثة، قدمها لنا الكهنة الجدد، بأساليب وأشكال جديدة، أشد خطرا، وأعظم تأثيرا من الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح عليه السلام، وإن أصنام قوم نوح كانت أصناما حسية مصنوعة من الحجر أو الشجر، أما أصنامنا نحن، فأصنام معنوية ألعن بكثير من الأصنام الحسية، وإن كل شيء خضعت له فقد اتخذته صنما لك، وإن الخضوع لتلك الأصنام نوع من أنواع الشرك بالله، فالحذر الحذر من الوقوع فيها لأن عاقبة الشرك ما حل بقوم نوح عليه السلام، وخيمة.
لا بد من التنبيه عليها وهي درس عظيم يؤخذ من قصة نبى الله نوح الله عليه السلام أيضا وهو الأسلوب الذي تدرج فيه الشيطان اللعين مع قوم نوح عليه السلام، وهو الأسلوب الذي تدرج فيه الشيطان اللعين مع قوم نوح عليه السلام، فإن الشيطان لم يطلب من قوم نوح عبادة غير الله، دفعة واحدة، ولو فعل ذلك، لما استجاب له أحد، لكنه تدرج معهم، فأوحى إلى قوم نوح، بوجوب صنع تماثيل لأولئك الرجال الصالحين تخليدا لذكراهم لأن ودا وسواعا ويغوث ويعوق ونسر هذه أسماء رجال صالحون، فأوحى لقوم نوح بوجوب صنع أصناما بصورهم، تخليدا لذكراهم، فاستجاب القوم لوحي الشيطان، وبعد جيل من الزمان، بعد انقراض من تبقى من العلماء، أوحى لمن جاء بعدهم من الجيل الثاني إن آباءكم، ومن سبقوكم كانوا يعبدون هذه الأصنام، فاستجابوا لوحي الشيطان، ووقعوا في الشرك.