الدكرورى يكتب عن السيدة هاجر عليها السلام ” جزء 2″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
السيدة هاجر عليها السلام ” جزء 2″
ونكمل الجزء الثاني مع السيدة هاجر عليها السلام، بعد ذلك أمر الله سبحانه وتعالى، إبراهيم الخليل لحكمة يعلمها تعالى أن يُخرج إسماعيل وأمه هاجر إلى مكان بعيد عن سارة التي ازداد غمها وهمّها بسبب هاجر وولدها، بعد أن أصبح عندها ولدا أيضا، فأطاع نبي الله الخليل إبراهيم أوامر ربه وخرج بزوجته وولده وكان كلما وصل إلى مكان فيه زرع وشجر، قال هاهنا يا رب؟، فيقول جبريل امضى يا إبراهيم، وظل يمشي هو ومن معه حتى وصلوا إلى مكة المكرمة في وادى غير ذي زرع كما قال تعالى، وعندما أراد نبي الله الخليل إبراهيم أن يتركهما في ذلك المكان القاحل، حيث لا ماء ولا كلأ، وليس معهم إلا كيس تمر وقربة ماء، فخافت هاجر كثيرا على نفسها وعلى ولدها من الهلاك، فصارت تتمسك بإبراهيم لتمنعه من الذهاب وتقول له يا إبراهيم.
إلى أين تذهب وتتركنا في هذا المكان الذي لا أنيس فيه ولا زرع ولا ماء، ألا تخاف أن نهلك هنا جوعا وعطشا؟، فرقّ قلبه عليهما ولكنّ هذا أمر ربه وليس له حيلة في هذا الأمر، ولكن هاجر ألحّت عليه كثيرا في السؤال، فقال لها إن الله هو الذي أمرني بترككم في هذا المكان، ولن يضيعكم الله تعالى، فسكتت السيدة هاجر وقالت بعد ذلك “إذن لا يضيعنا” ففى صحراء مكة القاحلة، مترامية الأطراف، تركها زوجها بصحبة طفلها الرضيع ومضى فى طريق عودته، تاركا لهما تمرا وماء، وعندما سألته أتتركنا فى هذا الوادى دون أنيس، لم يلتفت إليها، متيقنا أن الله لن يضيعهما أبدا، إنها السيدة “هاجر” زوجة نبى الله إبراهيم عليه السلام، فمنذ اللحظة الأولى أيقنت السيدة هاجر رضى الله عنها، المعنى الحقيقى للإيمان بالله تعالى، وصدق وعده لنبيه عليه السلام.
فقدمت أروع الأمثلة فى الطاعة عندما قالت دون تردد “إذن فإن الله لن يضيعنا” فاستحقت المكافأة الإلهية بأن وفاها الله وأجزل فضله عليها فعطر ذكرها وأعظم ذكراها ودفنها بجوار بيته وآنسها فى وحشتها ورزقها وطفلها من حيث لا تحتسب، وتحول مكان سعيها بين الصفا والمروة إلى ركن من أركان الحج، وجعل خاتم الأنبياء والمرسلين وأفضل الخلق أجمعين محمد، صلى الله عليه وسلم، من نسلها المبارك، ثم رفع نبي الله الخليل إبراهيم يديه داعيا متضرعا إلى الله عز وجل، كما ورد في كتاب الله العزيز على لسان إبراهيم عليه السلام ” ربنا إنى أسكنت من ذريتى بواد غير ذى زرع عند بيتك المحرم ربنا ليقيموا الصلاة فاجعل أفئدة من الناس تهوى إليهم وارزقهم من الثمرات لعلهم يشكرون” ثم عاد إلى بلاد الشام وليس في يده حيلة إلا الدعاء والتضرع.
وبعد أن نفد التمر والماء منهما وبدأ الجوع والعطش يسري في العروق ويزداد، وصار إسماعيل يتلوى ويتمرغ بالتراب من الألم، هرعت السيدة هاجر عليها السلام إلى الجبل حيث الصفا، لعلها أن ترى أحدا ليساعدها لكنها لم ترى أحدا، ثم عادت إلى تلة أخرى وهي المروة وهكذا انتقلت من هذه التلة إلى تلك سبع مرات وعندما يئست من ذلك عادت إلى طفلها فوجدت الماء ينبع من تحت قدميه، حيث أرسل الله تعالى الملائكةَ لتشق نبعا عند إسماعيل، وهو ماء زمزم الذي شملت بركاته الناس أجمعين من ذلك اليوم وإلى يومنا هذا، وفي قصة السيدة هاجر وابنها إسماعيل عليهم السلام، الكثير من العبر والمواعظ التي يجب على المسلمين أن يعتبروا منها، فأولى سمات هذه القصة المؤثرة الصبر الذي ظهر في سلوك نبي الله الخليل إبراهيم عليه السلام.
عندما صبر على أمر ربه وأطاع راضيا، وفي صبر السيدة هاجر عليها السلام عندما تركها إبراهيم مع ولدها وعاد إلى الشام، فقد صبرت هي وإبنها على الوحشة والجوع والعطش استجابة لأوامر الله تعالى، ومن مضامين قصة السيدة هاجر أيضا هو التوكل على الله تعالى، ففي فعل نبي الله الخليل إبراهيم صورة عظيمة من صور التوكل على الله تعالى عندما ترك زوجته وولده وحيدين في مكان لا ماء ولا زرع فيه وقال لهما لن يضيعكم الله تعالى، فقالت السيدة هاجر مرددة إذن لا يضيعنا، وفيها أيضا الرضى بقضاء الله وقدره خيره وشره وألا يعترض المؤمن على ما ارتضاه الله له، وأن طاعة الله تعالى مقدمة على النفس والزوجة والولد ومع الطاعة يأتي الفرج في النهاية مثلما أخرج لهما ماء زمزم ورزقهما بعد ذلك من كل الثمرات، فقال تعالى “فإن مع العسر يسرا، إن مع العسر يسرا”