الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 10″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 10″
ونكمل الجزء العاشر مع نبي الله نوح علية السلام، ولكن الابن الكافر رفض وأصر على كفره، وصاح قائلا، كلا سوف ألجأ إلى ذلك الجبل الشاهق ليحمينى من الغرق، فقد ظن هذا الشاب البائس أن الطوفان لن يصل لرؤوس الجبال، ولم يعلم أن الله عز وجل قد قضى ألا يكون هناك ناج على وجه الأرض إلا فقط أصحاب السفينة، وأن الله تعالى إذا قضى أمرا فلا يستطيع أحد أن يرده، فنظر إليه نبى الله نوح عليه السلام نظرة أسى وإشفاق وقال له، لا معصوم اليوم من عذاب الله يا بني إلا من رحمه الله بلطفه وإحسانه، لا جبال ولا مخابئ، ولا حام ولا واق، إلا من رحم الله، وفي لحظة قد أتت موجة هائلة قوية باعدت بين الأب وابنه، فلم يعد نوح عليه السلام يراه، وابتلعت هذه الموجة العالية الابن في داخلها وكان مصيره الغرق مع الغارقين.
فحزن نبى الله نوح عليه السلام على ابنه، وأشفق عليه، فرفع يده إلى السماء، وتضرع إلى الله عز وجل وقال يا رب، لقد وعدتني أن تنجي أهلي جميعهم إلا امرأتي، وإن ابني من أهلي، فكان الرد من الله العظيم أنه ليس من أهلك الذين وعدتك بنجاتهم لأنه كان كافرا، وقد أدرك نبى الله نوح عليه السلام أن ابنه لم يكن مؤمنا، ولم يصدق رسالته، فاستسلم لأمر الله ورضي به، واستغفر ربه على سؤاله نجاة ابنه الكافر، وهنا درس عظيم أراد الله عز وجل أن يعلمه لنبيه نوح عليه السلام ويعلمنا أيضا أن الصلة والقرابة الحقيقة بين الناس ليست بالدم أو بالنسب، وإنما هي قرابة الدين والعقيدة، فمع أن موت الابن الذي ربّاه في حضنه، وأحبه حبا جما كان مؤلما لقلب نبى الله نوح عليه السلام، فإن حبه لله عز وجل وانقياده له فاق حبه لولده.
فأبدا لا نقدم حب أحد على حب الله في قلوبنا، لا حب أب أو أم أو ابن، بل يكون حب الله أولا ثم الآخرين، ولذلك فمع محبة نبى الله نوح عليه السلام لولده فإنه قدم حب الله عليه، واستسلم لقضاء الله تعالى، طلبا لرضا الله سبحانه وتعالى، وما زالت السماء تهطل بالأمطار الغزيرة، والأرض تتفجر بالمياه الكثيرة، والأمواج عالية، والرياح هائجة، والسفينة تشق طريقها وسط تلك الأمواج التي تشبه الجبال، وتمر الأيام والأيام، ويستمر الطوفان مدة لا يعلمها إلا الله عز وجل، وقد هلك كل حي على وجه الأرض، ولم يعد باقيا من الأحياء إلا الناجون في السفينة، ولما أراد الله تعالى، أن تستقر السفينة على اليابسة أمر الأرض أن تبلع الماء، والسماء أن تتوقف عن المطر فامتثلتا لأمر الله تعالى، فابتلعت الأرض ماءها، وأقلعت السماء، فنضب الماء من الأرض.
وبدأت الرياح تهدأ، والغيوم تنقَشع، والشمس تشرق، ومع الوقت ظهرت الهضاب والتلال والأودية، ورست السفينة على سطح جبل الجودي، ثم أوحى الله عز وجل لنبى الله نوح عليه السلام أن اهبط من السفينة بسلام وبركات من الله عز وجل، أنت ومن معك من المؤمنين، وغيرهم من الأزواج التي حملها معه، فنزل المؤمنون من السفينة وانطلقت الحيوانات والطيور تستأنف حياتها من جديد، وابتدأت العمارة في الأرض، وأخذ الناس يتوالدون ويتناسلون، ويعبدون الله عز وجل وحده لا شريك له، بدون ظلم، وبدون شرور، وبدون شرك، وبعد أن أدى نبى الله نوح عليه السلام رسالته التي أرسله الله بها فأهلك الكافرون، ونجي المؤمنون، وعاشوا جميعا في سلام، وقد تحقق قدر الله ووعده، فقد سلط عليهم ماء السماء والأرض فأغرقهم واستأصلهم
وأنجى الله تعالى المؤمنين، وتبقَى سنة الله تعالى فيمن بعدهم، وهكذا تظهر لنا سنة التدريج في دعوة نبى الله نوح عليه السلام، بأنه فهم بيئة الدعوة لتحديد نقطة البدء، والدعوة إلى نبذ عبادة الأصنام، وتوحيد الله عز وجل، واستعمال كافة الأساليب الممكنة والمتاحة لدى الداعي مع الصبر والتحمل، ومراعاة أحوال المخاطبين ودعوتهم بالحكمة، وكذلك على الداعي أن يترسّم خطى نبى الله نوح عليه السلام في أساليبه المختلفة، وكل أسلوب في مقامه الذي يليق به، فلا يستعمل الداعي الحلم في مقام الشجاعة، ولا الشجاعة في مقام الحلم، ويتدرج في إقامة الأدلة، ونبى الله نوح الله عليه السلام هو نوح بن لامك بن متوشلخَ بن خنوخ وهو إدريس بن يرد بن مهلائيل، أو مهلاييل بن قينان، أو قينن بن أنوش بن شيث بن آدم أبي البشر.