الدكرورى يكتب عن نبي الله نوح علية السلام ” جزء 9″
بقلم / محمـــد الدكـــرورى
نبي الله نوح علية السلام ” جزء 9″
ونكمل الجزء التاسع مع نبي الله نوح علية السلام، ولقد كان هناك إصرار عجيب ورغبة قوية من نبى الله نوح عليه السلام مع قومه، في هدايتهم، إلا أنهم تمادوا في غيهم وطغيانهم، واشتد عليه منهم البلاء، وانتظر الجيل بعد الجيل، فلا يأتي قرن إلا كان أخبث من الذي قبله، حتى إن كان الآخر منهم ليقول قد كان هذا مع آبائنا وأجدادنا هكذا مجنونا، لا يقبلون منه شيئا، وقد أوحى الله عز وجل إلى نبيه نوح عليه السلام أنه لن يؤمن من قومك إلا من قد آمن، أى قضي الأمر يا نوح، فلا تتعب نفسك في دعوتهم ولا ترج إيمانهم، فلا تحزن فإن الله مُهلكهم ومنجّيك أنت ومَن آمن معك، ولما علم نوح عليه السلام وأيقن أنه لن يؤمن أحد منهم دعا الله عز وجل وسأله أن لا يترك على هذه الأرض أحدا من الكافرين، فإنك يا رب إن أبقيت منهم أحدا أضلوا عبادك.
الذين تخلقهم بعدهم، ولا يلدون إلا فاجرا في الأعمال كافر القلب، وذلك لخبرته بهم ومُكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عاما، فاستجاب الله عز وجل له، ووعده أنه سينجيه وأهله إلا امرأته لأنها كانت كافرة، وأوحى الله إليه بأمر عجيب، وهو أنه سبحانه وتعالى لما أراد أن يطهر الأرض، من الظلم والكفر فقد أوحى الله عز وجل لنبيه نوح عليه السلام أن يقوم ببناء سفينة عظيمة من أجل إنقاذ المؤمنين الطيبين، الذين آمنوا بالله تعالى واستجابوا لدعوة النبي نوح عليه السلام، وبالفعل أقبل نوح عليه السلام على عمل السفينة، وتوقف عن دعوة قومه، وجعل يقطع الخشب، ويضرب الحديد، ويهيئ عدة الفلك من القار وغيره مما لا يصلحه إلا هو، وبدأ المؤمنون الذين معه يساعدونه، فالأمر لم يكن سهلا، فهذه سفينة كبيرة جدا، فهى سفينة لإنقاذ البشرية.
ومختلف أنواع الحيوانات، فكان الأمر متعبا شاقا، ويحتاج لصبر شديد لتكتمل السفينة، وتصبح جاهزة، وخلال بنائهم للسفينة جعل قومه يمرون به وهو في ذلك من عمله، ولما رأَوه يبني السفينة، ولم يشاهدوا قبلها سفينة بُنيت قالوا يا نوح، ما تصنع؟ قال عليه السلام أبني بيتا يمشي على الماء، فعجبوا من قوله وسخروا منه، وكانوا يضحكون ويقولون باستهزاء يا نوح، قد صرت نجّارا بعد النبوة فكان يرد عليهم بهدوء إذا كنتم تسخرون منا الآن ومن سفينتنا فإنا سنسخر منكم غدا عند الغرق، وإن كنتم تهزؤون منا اليوم فإنا نهزأ منكم في الآخرة، كما تهزؤون منا في الدنيا، ولكن مع ذلك كان نبى الله نوح عليه السلام والمؤمنون أقوياء بإيمانهم، واثقين في نصر الله وحمايته، يعلمون أن الله لن يضيعهم، فلم يلتفتوا لكلامهم ولم يتأثروا به.
وهكذا يجب أن يكون المؤمن قويا، واثقا، ثابتا ما دام على الحق، فلا يهمه من يسخر منه أو يستهزئ به، ويعلم أن ثباته على الحق فيه نجاته، وبعد سنوات طويلة من العمل والجهد والصبر، اكتملت السفينة العظيمة، وأصبحت جاهزة تماما لمهمتها العظيمة، وأوحى الله عز وجل لنبيه نوح عليه السلام إذا فار التنور ورأيت الماء على وجه الأرض، فاركب أنت ومن معك في السفينة، وأمر الله عز وجل نبيه نوح عليه السلام أن يحمل في السفينة المؤمنين الذين آمنوا به، وأن يأخذ من كل نوع من النباتات والثمار، والطيور والدواب والحيوانات زوجين ذكرا وأنثى حتى يحافظ على هذه الأجناس ولا تنقرض، وكان نبى الله نوح عليه السلام قد بنى السفينة، وجعل فيها ثلاث طبقات الطبقة السفلى للدواب والوحوش، والطبقة الوسطى فيها الإنس، والطبقة العليا فيها الطير.
وأخيرا حانت اللحظة الحاسمة، وجاء اليوم الرهيب، وفار التنور، وبدأ الماء يظهر على وجه الأرض، فعلم نوح عليه السلام أن وعد ربه قد جاء، فأسرع نوح يفتح سفينته فأدخل الحيوانات والطيور كما أمره الله، وبدأ يدعو المؤمنين به للدخول فيها، وصعد أهل نبى الله نوح عليه السلام جميعهم إلا زوجته الكافرة، فلم تصعد إلى السفينة، وبحث نوح عن ابنه فلم يجده، وبدأَت السماء تمطر مطرا شديدا، وينهمر منها الماء بكميات لم تحدث من قبل، وخرجت المياه من كل مكان في الأرض، والتقت أمطار السماء بماء الأرض، وبدأت المياه ترتفع، وترتفع، وترتفع، واشتدت الرياح، وارتفعت الأمواج، وفجأة رأى نبى الله نوح عليه السلام ابنه، فخاف عليه من الغرق، فنادى عليه وقال “يا بني اركب معنا في السفينة، وآمن بالله ولا تكن مع الكافرين فتغرق”